الذكتور محمد راتب النابلسي
|
بسم الله
الرحمن الرحيم
أيها الإخوة المؤمنون: في العقيدة الإسلامية، حقيقة
الإيمان ليست ما ينبغي أن تعتقد، بل يضاف إلى ذلك ما
ينبغي أن تكون عليه، الإيمان كل لا يتجزأ، ينبغي أن
تعتقد كذا، وكذا، وكذا، وينبغي أن تكون على هذا الحال،
حال التوكل والاستعانة، والدعاء، وما إلى ذلك. فمن
لوازم الإيمان التوكل على الله، لأن الله عز وجل يقول:
(وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُتَوَكِّلُونَ)
[سورة إبراهيم]
التوكل على من هو خلاَّق وفعَّالاً:
أيها الإخوة المؤمنون، حينما يكون الإنسان في ظرفٍ
صعب، في مثل هذه الحالات تشتدُّ الحاجةُ إلى
التَّوكُّل،ولكن عليك دائمًا وأبدا أن لا تنسَ أن تكون
موحِّدا، ولا تنسَ أن الأمرَ كلَّه بيد الله، لا تنسَ
أنه إليه يُرجَع الأمرُ كلُّه، ولا تنسَ أن الله عز
وجل بيده مقاليد السماوات و الأرض،
قال تعالى:
(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ
إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ
الْعَلِيمُ)
[سورة الزخرف]
وقال تعالى:
(لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ
ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا
أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي
كِتَابٍ مُبِينٍ)
[سورة سبأ]
ولا يقع شيء في الكون إلا بإرادته.
هذه الآياتُ آياتُ التوحيد يحتاجها الإنسان دائما،
يحتاجها الإنسان كي لا تضعف معنوياتُه، وكي لا يظنَّ
بالله ظنَّ السَّوْء، و كي لا يقع في مطبٍّ خطير وقع
فيه الغربيُّون ؛أن الله خلاَّق و ليس فعَّالاً، أن
الأمرَ بيد الإنسان، لكنَّ الأمرَ بيد الله، و يدُ
الله فوق أيديهم، فالتوكل بعد أخذ الأسباب،
والمؤمن الحقُّ يأخذ بالأسباب،
وكأنها كلُّ شيء، ثم يتوكَّل على الله وكأنها ليست
بشيء
إليكم أيها الإخوةُ بعضَ الآيات الكريمة التي وردتْ
في موضوع التوكُّل،
قال تعالى:
(وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
[سورة المائدة]
أي علامة إيمانكم أنكم تتوكَّلون على الله بعد أن
تأخذوا بكل الأسباب حتى لا ينسحِق الإنسانُ، و حتى لا
يقع في السوداوية، و حتى لا يقع في اليأس، و حتى لا
يقع في القنوط،
(وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
وقال تعالى:
(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
فَهُوَ حَسْبُهُ)
[سورة الطلاق]
أنت مع من؟ مع خالق السماوات، مع القويِّ، مع الذي
بيده كلُّ شيءٍ
قال تعالى:
(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ
عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ)
[سورة النمل]
قال تعالى:
(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى
بِاللَّهِ وَكِيلاً)
[سورة الأحزاب]
وقال تعالى:
(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي
لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ
بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً)
[سورة الفرقان]
قال الله تعالى:
(وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
[سورة الفرقان]
أنت متى تتوكل على الله؟ حينما تكون مؤمناً
مستقيماً على أمره، وحينما تعرفه، وتثق بقدرته وبعلمه
وبرحمته، وبأنه سميع مجيب.
من هو المتوكل:
وإن الله سبحانه وتعالى كما أنه يحبُّ الصادقين،
ويحبُّ المحسنين، ويحبُّ التائبين، ويحبُّ
المتطهِّرين، إنه يحب المتوكِّلين، ومن هو المتوكِّل؟
هو الذي وثق بالله، وحينما تثق بالله فأنت المنتصر،
وأعيد وأكرِّر لئلاَّ يصبح حالُك تواكلاً، التوكلُ ليس
كسلاً وخنوعًا وقعودًا،
وسيدنا عمر رضي اللهُ عنه سأل أناسا يتكفَّفون الناسَ:
من أنتم؟
قالوا:
نحن المتوكِّلون
قال:
كذبتُم، المتوكِّلُ من ألقى حبَّةً
في الأرض ثم توكَّل على الله
وقال تعالى:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ
إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا
تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)
[سورة الأنفال]
إنما أداة حصر.
قال العلماءُ أيها الإخوة: الدينُ بمجموعه في هذين
الأمرين:
• أن يكون العبدُ على الحق في أقواله، وفي أعماله و في
اعتقاده وفي نيته،
• وأن يكون متوكِّلا على الله عز وجل واثقا به،
أن يكون على الحق وأن يتوكَّل على الله، قال تعالى:
(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ
عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ)
[سورة النمل]
أي إذا كنتَ على الحقِّ لا تخشى أحدًا لأن الله
معك، و إذا كان اللهُ معك فمن عليك؟ من يستطيع أن يكون
عليك إذا كان اللهُ معك، قال تعالى:
(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ
عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ)
أيها الإخوة الكرام ؛ إذا كان العبدُ على الحق في
قوله وفي عمله وفي اعتقاده وفي نيته ثم توكَّل على
الله عز وجل واثقا منه فقد جمع الدينَ كلَّه.
آفةُ هذا الإنسان عدمُ الهداية وعدمُ التوكُّل، أو
كلاهما، إيمانه ضعيف و توكُّله معدوم، توكُّله تواكلٌ
من دون أخذٍ بالأسباب.
التوكلُ من عمل القلب:
التوكلُ من عمل القلب
و معنى ذلك أنه عملٌ قلبيٌّ محضٌ، لا علاقة للسان
به و للجوارح ولا هو من باب العلوم والإدراكات،
التوكُّل محلُّه القلبُ فقط، أي أنت متوكِّل على الله
لكن في الظاهر تأخذ بكل شيء،
كما فعل النبيُّ في الهجرة، كلَّف إنسانا يمحو
الآثارَ، وإنسانا يأتيه بالأخبار، واستأجر دليلا مشركا
فضَّل الخبرةَ على الولاء، سار مساحلا، واختبأ في غار
ثور، ما من قضية إلا وأغلقها، ما من احتمال إلا
وأغلقه، هذا هو التوكُّل، وبعدئذٍ توكَّل على الله،
فلما وصل الكفار إلى الغار، قال:
يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله
ثالثهما
علامة صدق توكُّله على الله أنه لم يعبأ بالنتائج،
أدَّيتُ الذي عليَّ و انتهى الأمرُ،
هذا درسٌ بليغ لكل إنسان، في تجارتك، في طبِّك، وفي
هندستك، وفي تعليمك، وفي صناعتك، وفي حرفتك، يجب أن
تأخذ بكل الأسباب، قد أدَّيتَ الذي عليك، أطعتَ اللهَ
في الأخذ بالأسباب، وبعدئذٍ تتوكل على الله.
أمور لا تتم حقيقة التوكل إلا بها:
أيها الإخوة الكرام ؛ التوكُّل حالٌ مركبَّة من
مجموعة أمور لا تتمُّ حقيقةُ التوكل إلا بها:
1. معرفة الله:
الشيء الأول في التوكل أن تعرف اللهَ، أن تعرفه
موجودا، وقويًّا، وفعَّالا، وسميعا، وبصيرا، وعادلا،
ورحيما، أن تعرف أسماءه الحسنى، وأن تعرف صفاته
الفُضلى، من قدرة وكفاية، وانتهاء الأمور إليه، إلى
علمه، وصدورها عن مشيئته، و قدرته، هذه المعرفة شرطٌ
أساسيٌّ في التوكُّل،
أي أنت حينما تذهب إلى دائرة، وقضيتك لا يحلُّها إلا
المديرُ العامُ، لا يمكن أن تترجَّى حاجبا لحلِّ هذه
المشكلة، وإلا فأنت لست عاقلا،
فلا يمكن أن تتوكل على الله إلا إذا عرفت قدرتَه، إلا
إذا عرفت أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى،
لذلك لا يصحُّ التوكُّل من فيلسوف، لأنه لا يعرف
اللهَ، والناسُ حينما لا يتوكَّلون، لا أقول: معهم
الحقُّ، ولكن لأنهم لا يعرفون الله لا يتوكلون عليه،
في حياتهم،في ساحة نفوسهم قوى أرضية فقط، يخشى هذا
ويخشى هذا، ويرجو أن يذهب عنه سخطُ هذا، لا يرى رضا
الله فوق أيديهم، لا يرى أن الله فعَّالا، لا يرى أن
كلَّ شيء في الكون لا يقع إلا بأمره و مشيئته، لأنه لا
يرى إلا أن اللهَ خلاَّقا و ليس فعَّالا، لا يتوكَّل
عليه،
الإنسان بفطرته يبحث عن الرجل القوي في كل أمر من
الأمور، في أيِّ مكان هناك رجل قوي، ورجل غير قويٍّ،
أنت ترجو القويَ، ولا ترجو الضعيف، تتوجَّه إلى
القويِّ، ولا تتوجَّه إلى الضعيف، فكيف يتوجَّه إلى
الله، ويتوكَّل عليه من لا يعرفه، هو يرى زيدًا
وعُبيدا وفلانا وعِلاَّناً، هو مأخوذٌ بالقوى الأرضية،
ولا يهتمُّ بقوى السماء،يهتمّ بالأرض ولا يهتمُّ بخالق
الأكوان.
لذلك قوله تعالى:
(وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
[سورة الفرقان]
إن كنتم مؤمنين توكَّلوا على الله، و كيف يتوكَّل
على الله من يتوهَّم أن الله لا يعلم جزئيات العالَم،
اللهُ خالقٌ عظيم، ما علاقته بحياتنا اليومية، و
بقضايانا الاجتماعية، و بقضايانا الاقتصادية، بالأمطار
و الآبار بالينابيع و النبات، هو يتوهَّم أن الله خلق
الكونَ و انتهى الأمرُ، هذا الإنسان الذي يتوهَّم أن
اللهَ لا يعلم الجزئيات، لا يتوكَّل عليه، دقِّق في
قوله تعالى:
(وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا
يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ
وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ
مُبِينٍ)
[سورة الأنعام]
هل هناك حدثٌ أقلّ من هذا الحدَث، تمشي في الطريق
هناك بستان في الخريف تسقط ورقُه، قال تعالى:
(وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا
يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ
وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ
مُبِينٍ)
إن أيقنتَ أن الله يعلم الجزئيات تتوكَّل عليه في
كلَّ شيء،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ
حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى يَسْأَلَ شِسْعَ نَعْلِهِ
إِذَا انْقَطَعَ
[رواه الترمذي]
يحب أن تسأله ملحَ طعامك، و يحب أن تسأله حاجتك
كلَّها هذا هو التوكُّل
ذكرتُ لكم أيها الإخوة أن هناك إخوةً يعملون في الطبِّ
مؤمنين، قبل أن يجروا أيَّ عملية يصلُّون ركعتين لله
عز وجل، و يفتقرون إليه ليوفِّقهم في نجاح العملية،
هذا توكُّل، قبل أن تفعل شيئا لا تنسَ أن اللهَ معك.
أيها الإخوة الكرام ؛ كلُّ من كان له علمٌ بالله
وبأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، كل من كان علمُه بهذه
أشدَّ كان توكُّلُه أعظمَ، أي
توكُّلُك على الله يتناسب و معرفتك
بالله
2. فعل الأسباب وعدمُ الركون إليها:
أيها الإخوة ؛ هناك مقولةٌ سخيفةٌ، سخيفة جدًّا،
يقول: إذا قضى اللهُ لي في سابق علمه أن يحصل لي هذا
الشيءُ سيحصل لي، فعلتُ أو لم أفعل و إذا قُدِّر لي في
سابق علمه أن يحرمني هذا الشيءَ، أنا محروم منه، فعلت
أو لم أفعل، إذًا ينبغي أن لا أفعل شيئا، هذا فهمٌ
سقيم، فهم ما أراده اللهُ عز وجل.
أيها الإخوة ؛ هكذا قال بعضُ العلماء: البهائمُ أفقه
من هذا الإنسان، لأنها تسعى في السبب إلى طعامها
وشرابها ومصالحها، بالهداية العامة، بهداية الله
العامة لها، هذا الذي يقعد عن الأخذ بالأسباب الأسباب،
أقلُّ من البهيمة، أقلُّ فقهاً من البهيمة،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ
تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ
لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو
خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا
[رواه الترمذي]
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ الْمَقْضِيُّ
عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى
الْعَجْزِ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ فَإِذَا
غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ
[رواه أبو داود]
لا تقل: حسبي الله ونعم الوكيل إلا بعد أن تأخذ
بالأسباب، وبعد أن لا يتحقَّق لك شيءٌ، إذًا هذه مشيئة
الله.
أيها الإخوة الكرام ؛ التوكُّل من أعظم الأسباب التي
يحصل بها المطلوبُ، ويُدفَع بها المكروه، ولكن من تمام
التوكل عدمُ الركون إلى الأسباب إن أخذتَ بها،
والنبيُّ عليه الصلاة و السلام أخذ بالأسباب، وتوكَّل
على الله، لم يحضر الصفَّ الأول في المعركة إلا بسلاح
و درع، استأجر دليلا مشركا، كان يدَّخر القوتَ لأهله،
وهو سيِّدُ المتوكِّلين، كان إذا سافر حمل الزادَ،
لا يتناقض الأخذُ بالأسباب مع
التوكُّل أبدا، بل إن الأخذ بالأسباب من أسباب
التوكُّل
لا تنسوا أيها الإخوة أنك في أيِّ لحظة إذا قلت:
أنا أوكلك الله إلى نفسك، والصحابة الكرام قالوا: لن
نُغلَب من قلة، فأوكلهم اللهُ إلى أنفسهم،
قال تعالى:
(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ
أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ
شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا
رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)
[سورة التوبة]
أما يوم بدر قال تعالى:
(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ
بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
[سورة آل عمران]
3. حسنُ الظنِّ بالله:
أيها الإخوة الكرام، حسنُ الظنِّ بالله من لوازم
التوكل، حسن الظن بالله، يجب أن تعلم أن الله خلقك
ليسعِدك، وهو يحبُّك، وينتظر أن تتوب إليه، وهو أفرحُ
لتوبتك من الضالِّ الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن
الوارد، قال تعالى:
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
[سورة الزمر]
أيها الإخوة الكرام ؛هذا هو الحق المبين قال تعالى:
(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ
عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ)
[سورة النمل]
أمثله عملية في التوكل:
أيها الإخوة: الشدة التي يعانيها الناس في آخر
الزمان من فعل الطغاة والمستعمرين، هذه الشدة التي قد
تجعل حياة الناس جحيماً هذه الشدة عند المؤمنين قليلة
جداً، لتوحيدهم، ولتوكلهم على الله عز وجل، فمثلاً قال
تعالى:
(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ
إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ
مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا
رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)
[سورة آل عمران]
الله أكبر من كل كبير، ومن كل ظالم، ومن كل طاغية،
فأنت حينما تتعلق بالله عز وجل تخف عليك وطأة الطغاة.
فيروى أن الحسن البصري رحمه الله تعالى أدى أمانة
العلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يبدو أنه كان
في زمن الحجاج، والحجاج كان طاغية كبيرة وظالماً،
فحينما بلغه ما فعله الحسن البصري اشتد غضبه، وقال لمن
حوله، وسماهم بالجبناء: والله يا جبناء لأروينكم من
دمه، وأمر بقتلهم، وجاء السياف، ومد النطع (هذا قماش
أو بساط يوضع تحت من يقطع رأسه لئلا يتأثر المكان بدم
المقطوع)، واستدعي الحسن البصري ليقتل، فلما دخل، ورأى
السياف، ومد النطع عرف كل شيء، فإذا به يحرك شفتيه،
لكن لم يفهم أحد ما قال، المفاجأة التي لا تصدق أن
الحجاج وقف له وقال: أهلاً بأبي سعيد، وما زال يقربه
حتى أجلسه على سريره! واستفتاه، وأثنى عليه، وقال له:
يا أبا سعيد أنت سيد العلماء، ثم شيعه إلى باب القصر،
وهناك رجلان السياف والحاجب، تبعه الحاجب قال له: يا
أبا سعيد لقد جاء بك لغير ما فعل بك، فماذا قلت لربك؟
فقال: قلت:
يا ملاذي عند كربتي، يا مؤنسي في
وحشتي اجعل نقمته علي برداً وسلاماً كما جعلت النار
برداً وسلاماً على إبراهيم
تغير الوضع!
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّه عَنْه:
كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ فَرَأَيْتُ
آثَارَ الْمُشْرِكِينَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا قَالَ
مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا
[صحيح البخاري]
الدعاء والتوكل:
أيها الإخوة الكرام ؛ أنت في الدعاء، و التوكّل
يلتقي مع الدعاء في نقاطٍ كثيرة،
كمثال أنت مع أهل الأرض هل تطلب من إنسان لا وجود له،
مستحيلٌ، لا بدَّ من الذي تدعوه أنك موقنٌ أنه موجود،
هل تدعو إنسانا لا يسمع؟ مستحيل، لا بدَّ من أن تدعو
إنسانا موجودا و يسمعك، هل تدعو إنسانا ضعيفا؟ مستحيل،
لا بدَّ من أن تدعو إنسانا موجودا، ويسمعك، وهو قادر
على تنفيذ رغبتك، في عالَم الأرض، هل تدعو إنسانا لا
يحبُّك؟ مستحيل، لا بد من أن تدعو إنسانا موجودا،
ويسمعك، وقادر على تنفيذ رغبتك، ويحبُّك، أنت حينما
تدعو اللهَ، أنت مؤمنٌ وربِّ الكعبة، مؤمن بوجوده،
ومؤمن بسمعه وعلمه، و مؤمن بقدرته، ومؤمن برحمته، هذا
هو التوكُّل،
وفي بعض أدعية النبي عليه الصلاة والسلام عن ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ
يَتَهَجَّدُ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ
قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ
وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ
نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ
وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ
وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَقَوْلُكَ
حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ
وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ
اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ
تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ
وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ
وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ
أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ
إِلَّا أَنْتَ أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ
[صحيح البخاري]
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ
آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ
وَبِكَ خَاصَمْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ
بِعِزَّتِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي
أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْجِنُّ
وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ
[صحيح مسلم]
من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى رَجُلًا
فَقَالَ:
إِذَا أَرَدْتَ مَضْجَعَكَ فَقُلِ
اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ
أَمْرِي إِلَيْكَ وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ
وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً
إِلَيْكَ لَا مَلْجَا وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا
إِلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ
وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مُتَّ
عَلَى الْفِطْرَةِ
[صحيح البخاري]
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
مَنْ قَالَ يَعْنِي إِذَا خَرَجَ
مِنْ بَيْتِهِ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى
اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ
يُقَالُ لَهُ كُفِيتَ وَوُقِيتَ وَتَنَحَّى عَنْهُ
الشَّيْطَانُ
[رواه الترمذي]
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:
مَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا
رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ اللَّهُمَّ
أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ
أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ
أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ
[سنن أبي داود]
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:
أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الَّذِي لَا
إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْجِنُّ
وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ
[رواه البخاري]
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ:
حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام
حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا
إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
[رواه البخاري]
عود على بدء:
أيها الإخوة الكرام: عود على بدء، لابد من أن تتيقن
أن الإيمان ليس أن تعرف ماذا ينبغي، أن تعتقد لكن
حقيقة الإيمان، أن تعلم ماذا ينبغي أن تكون عليه من
حال الإنابة، وحال الاستنصار بالله، والاعتماد عليه،
والتوكل عليه، وطلب الوسيلة إليه، هذا بعض ما ينبغي
على المؤمن أن يكون عليه.
والحمد الله
رب العالمين
0 التعليقات: