ذكر الله تعالى أنواعه وفضائله
ذكر الله تعالى أنواعه وفضائله
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
الذِّكر مفهومه
شامل، وله معنيان:
أ) معنًى عام:
ويشمل كل أنواع العبادات من صلاة، وصـيام، وحج، وقراءة قرآن،
وثناء، ودعاء، وتسبيح، وتحميد، وتمجيد، وغير ذلك من أنواع الطاعات؛
لأنها إنما تقام لذكر الله تعالى، وطاعته، وعبادته.
قال شـيخ
الإسلام رحمه الله: «كل ما تكلَّم به اللسان، وتصوّره القلب مما
يقرِّب إلى الله من تعلّم علم، وتعليمه، وأمر بمعروف، ونهي عن
منكر، فهو من ذكر الله»[1].
ب) معنًى خاص:
وهو ذكر الله - عزَّ وجل -
بالألفاظ التي وردت عن الله من تلاوة كتابه، أو الألفاظ التي وردت
على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيها تمجيد، وتنزيه، وتقديس،
وتوحيد لله، والمقصود في هذه السُّنَّة هو: المعنى الخاص.
وأعظمه: تلاوة
كتاب الله تعالى، فالتعبد بتلاوته أسهر عيون السلف، وأقض مضاجعهم ﴿
وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18].
فجمعوا في ليلهم
تلاوة كتاب الله تعالى، وسائر الأذكار المأثورة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فللّه درُّه من ليل طاب بإحياء أهله له، ويا
لخسارتنا وتهاوننا، وتفريطنا، بليالينا، وأسحارنا! وعسـى أن تسلَم
من عصـيان إلهنا، إلَّا ما رحم ربنا تعالى.
كيف كان الصحابة مع القرآن؟
تقدَّم في أول
السُّنَن حديث حذيفة وأنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ في
ركعة واحدة البقرة، ثم النِّساء، ثم آل عمران، وعن أبي وائلٍ عن
عبدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: «صليتُ معَ النبيِّ صلى الله عليه
وسلم ليلةً، فلم يَزَلْ قائماً حتى هَمَمْتُ بأمرِ سَوْء، قلنا:
وما هَممتَ؟ قال: هممتُ أن أقعدَ وأذَرَ النبيَّ صلى الله عليه
وسلم »[2].
وفي الصحيحين،
عن عبد اللّه بن عَمْرٍو رضي الله عنه قال: قَالَ لِي رَسُولُ
اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ
»، قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أَجَدُ قُوَّةً. قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي
عِشـرينَ لَيْلَةً»، قَالَ قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ:
«فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ، وَلاَ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ»[3].
ولمَّا كان
الصحابة رضي الله عنها أحرص الناس على القرآن، كانوا يتحسـرون
لفواته؛ فجعل لهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فرصة يعوِّضون بها
ما فاتهم من القرآن، روى مسلم في صحيحه حديث عمر بن الخطَّاب رضي
الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ
نَامَ عَنْ حِزْبِهِ، أَوْ عَنْ شـيءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا
بَيْنَ صَلاَةِ الْفَجْرِ، وَصَلاَةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ
كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ»[4]،
فيا ربِّ ألحقنا بركبهم، واعف عن تقصـيرنا، وزللنا.
وعن أوْسِ بنِ
حذيفة رضي الله عنه قال: «سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ الله صلى
الله عليه وسلم كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرآنَ؟ قَالُوا ثَلاَثٌ،
وَخَمْسٌ، وَسَبْعٌ، وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشـرةَ، وَثَلاَثَ
عَشـرةَ، وَحِزْبُ المُفَصَّلِ وَحْدَهُ»[5]،
وفي سنده ضعف؛ لضعف ابن يعلى الطائفي.
والمقصود بـ
«ثلاث» أي: أول ثلاث سور في أول يوم، ثم الخمس التي تليها في اليوم
الثاني، وهكذا حتى يختموا القرآن بأسبوع، هكذا كان الرعيل الأول مع
أعظم الذكر وهو: القرآن، وحذا حذوهم من تبعهم من السلف؛ لأنهم
تربوا على نهج مدرستهم، فقلَّما تقرأ في ترجمة أحدهم إلا وتجد أنه
كان يختم في كذا وكذا، ومعظم هدْيهم التسبيع، أي يختمون كل أسبوع.
وعن حماد بن زيد:
عن عطاء بن السائب، أنَّ أبا
عبد الرحمن قال: «أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا
تعلموا عشـر آيات، لم يجاوزوهن إلى العشـر الأخر حتى يعلموا ما
فيهن، فكنا نتعلم القرآن، والعمل به، وسـيرث القرآن بعدنا قوم
يشـربونه شـرب الماء لا يجاوز تراقيهم»[6].
الذِّكر فيه حياة للقلوب:
كثير منَّا
لاسـيما في هذه الأزمان، وكثرة الانشغال يشكو صدأ قلبه وغفلته،
وحياة القلب تكون بالذِّكر، ففي صحيح البخاري من حديث أبي موسى رضي
الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الَّذِي
يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ
وَالْمَيِّتِ»، وفي لفظ مسلم قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:
«مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللّهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ
الَّذِي لاَ يُذْكَرُ اللّهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ»[7].
قال ابن القيم
رحمه الله في كتابه مدارج السالكين في فصل (منزلة الذكر): «ومن
منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة: الذِّكر، وهي منزلة
القوم الكبرى، التي منها يتزودون، وفيها يتجرون، وإليها دائمًا
يترددون، والذِّكر منشور الولاية، الذي من أعطيه اتصل، ومن منعه
عزل، وهو قوت قلوب القوم،الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورًا،
وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بورًا...، وهو جلاء القلوب
وصقالها ودواؤها إذا غشـيها اعتلالها، وكلَّما ازداد الذاكر في
ذكره استغراقًا ازداد المذكور محبةً إلى لقائه واشتياقًا...، وهو
باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده، ما لم يغلقه العبد
بغفلته» أ.هـ[8].
وذكر ابن القيم
رحمه الله في كتابه الوابل الصـيب، أكثر من مائة فائدة للذِّكر،
يحسن الرجوع إليها، ففيها ما يستنهض الهِمَم للمحافظة على هذه
العبادة العظيمة، وعرض فيها نماذج من الذاكرين لاسـيما شـيخه شـيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله[9].
حث الله - عز وجلَّ
- على ذِكْره في مواضع عديدة، منها:
1)
حث اللهُ -عز وجلّ- عباده؛ لأن
يكثروا من الذِّكر، فقال تعالى: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا
* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42]
2)
ووعد الله تعالى الذاكرين والذاكرات، بالمغفرة، وعظيم الأجر
والثواب، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ
الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ
وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ
وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ
وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ
وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾
[الأحزاب: 35].
3)
وحذرنا الله -عز وجلَّ- من صفات المنافقين، التي منها قلة ذكر الله
تعالى والله المستعان، فقال تعالى: ﴿
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ
وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ
النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾
[النساء: 142].
4)
وحذرنا الله عز وجلَّ من الانشغال
بالأموال، والأولاد عن ذكره جل وعلا، فقال تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
[المنافقون: 9].
5)
وتأمَّل معي هذا الفضل العظيم،
والشرف الرفيع، قال الله تعالى: (ﯩ ﯪ)، وقال في الحديث القدسي:
«أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي،
فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسي، وَإِنْ
ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ»[10].
6)
وامتدح الله تعالى أولوا العقول من
المؤمنين بأنهم يذكرونه على كل حال، فقال تعالى: ﴿
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ
لِأُولِي الْأَلْبَابِ *
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى
جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ
فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191].
وفي سنته صلى
الله عليه وسلم -الذي كان خلقه القرآن- ما يُفسـر لنا من فعله هذه
الآية، فكان الذِّكر ملازماً له على كل أوقاته، وأحواله، تقول
عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله
عليه وسلم يَذْكُرُ الله عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ»[11].
ولك أن تتصوَّر
- أخي المسلم - كل أحيانه، وكيف هي كل أو بعض أحياننا، ولا أقول
بمماثلتها ولكن بمقاربتها لأحيان النَّبيّ صلى الله عليه وسلم؟.
فهل نحن في بعض
أوقاتنا من الذاكرين؟!
والأعجب من ذلك
أنَّ الإمام مسلم روى لنا في صحيحه، كيف يكون ذكره صلى الله عليه
وسلم حتى في حال انشغاله فعَن الأَغَرِّ الْمُزَنِي رضي الله عنه
أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ
عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللّهَ فِي الْيَوْمِ،
مِائَةَ مَرَّةٍ»[12].
قال النَّووي
رحمه الله: «والمراد هنا ما يتغشـى القلب، قال القاضـي: قيل:
المراد الفترات والغفلات عن الذِّكر الذي كان شأنه الدوام عليه،
فإذا فتر عنه، أو غفل عَدّ ذلك ذنباً، واستغفر منه، قال: وقيل: هو
همّه بسبب أمّته، وما اطلع عليه من أحوالها بعده فيستغفر لهم،
وقيل: سببه اشتغاله بالنَّظر في مصالح أمته، وأمورهم، ومحاربة
العدو، ومداراته، وتأليف المؤلَّفة، ونحو ذلك، فيشتغل بذلك من عظيم
مقامه، فيراه ذنباً بالنسبة إلى عظيم منزلته...، وقد قال المحاشـي:
خوف الأنبياء، والملائكة خوف إعظام، وإن كانوا آمنين عذاب الله
تعالى»[13].
الذِّكر نوعان:
مطلَق، ومقيَّد:
وينبغي أن يحرص
العبد على أن يذكر الله تعالى بقلبه، ولسانه فإنَّ هذا أكمل
الأحوال، لا بلسانه فقط، فمن النَّاس مَنْ لا يستشعر ما يقوله من
أذكار؛ لأنه في أذكاره لا يتحرَّك إلا لسانه، ولو تحرَّك القلب،
وتدبَّر لزاد الإيمان، ورقَّ القلب.
واعلم أيضاً:
أيها الأخ المبارك: أنَّ الذِّكر من حيث موضعه على نوعين: ذكر
مقيَّد، وذكر مطلق.
فالمقيَّد هو:
ما قُيِّد بمكان، أو وقت، أو حال.
والمطلق هو: ما
لم يُعيَّن بشـيء من ذلك، وإنما في سائر اليوم.
فأذكار ما بعد
الصلوات، أو الذِّكر الذي يكون بعد الأذان، وكذا كل ذكر قاله
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في مكان، أو وقت معيَّن، فإنه
يُقدَّم على سائر الذِّكر المطلق؛ لأنه بهذا يحصل على اتباع
النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فيفعل كفعله صلى الله عليه وسلم فلو
سلَّم من صلاته المفروضة، فإنَّ الأفضل في حقِّه أن يأتي بأذكار ما
بعد الصلاة، ولا يأتي بغيره من الأذكار ولو كان فاضلاً كقراءة
القرآن؛ لأنه هكذا فعل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، والخير تمام
الخير في التأسـي به صلى الله عليه وسلم.
بالذِّكر يكون
العبد من السابقين:
الحديث عن
الذِّكر وفوائده يطول، ولكن ينبغي للمسلم ألَّا يكون ممن قلَّ ذكره
لربه، ويبادر للحفاظ على تلك النوائل العظيمة، والفضائل الجسـيمة
التي تكون في الذِّكر، ويحاول شـيئاً فشـيئا تعويد نفسه على هذه
العبادة، فيعوِّد نفسه التي لطالما نفهت من الطاعة، فيأخذ من
سُنَّة النَّبيّ صلى الله عليه وسلم نوعاً، ويحافظ عليه مدة حتى
إذا استمكن منه وصار هذا الذِّكر من عمله في يومه وليلته، حمل نفسه
ورفع توقها، فتاقت لذكر آخر وهكذا، حتى يكون من (المُفَرِّدين)،
وهم: الذاكرون الله تعالى كثيراً والذاكرات.
فيكون من الذين
سبقوا بقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، كما روى مسلم في صحيحه عن
أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه
وسلم يَسـيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ
لَهُ (جُمْدَانُ)، فَقَالَ: «سيرُوا، هَـذَا جُمْدَانُ، سَبَقَ
الْمُفَرِّدُونَ» قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ
اللّهِ؟ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللّهَ كَثِيراً، وَالذَّاكِرَاتُ»[14].
المُفرِّدون
عرَّفهم النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بالذاكرين الله تعالى كثيراً
والذاكرات، والمفرِّدون في اللغة من: الانفراد، فكأنهم انفردوا عن
غيرهم بذكر الله تعالى فلم يصل إلى ما وصلوا إليه كثير من أقرانهم،
كما ذكر بعض أهل العلم، وقبيح أن يكون القلب خالياً من ذكر الله
تعالى، واللسان يابساً من ذلك.
وقد قال
النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لرجل جاءه قال له: «إِنَّ شرائِعَ
الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيْنَا فَبَابٌ نَتَمَسَّكُ بِهِ
جَامِعٌ، قَالَ: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»[15].
فيا أخي المبارك
ما لا يدرك كله لا يُترك كله، فذكر واحد تمسك به حتى تضم إليه
غيره، وهكذا خير لك من أن يمضـي عمرك، ولم يزدد عملك من هذه
العبادة الجليلة.
ومما ورد في سُنَّة
النَّبيّ صلى الله عليه وسلم من أنواع الذكر كثير، منها ما يلي:
1.
عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
قال: «مَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شـريكَ
لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شـيءٍ
قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ، مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشـر
رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ
مِائَةُ سـيئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزاً مِنَ الشـيطَانِ،
يَوْمَهُ ذلِكَ، حَتَّى يُمْسـي، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ
مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ،
وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ
مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ
الْبَحْرِ»[16].
2.
وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:
«مَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شـريكَ لَهُ،
لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شـيءٍ
قَدِيرٌ، عَشـر مِرَارٍ، كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ
أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ»[17].
3.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ
اللّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ
يَكْسِبَ، كُلَّ يَوْمٍ، أَلْفَ حَسَنَةٍ؟» فَسَأَلَهُ سَائِلٌ
مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟
قَالَ: «يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ
حَسَنَةٍ. أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ»[18].
4.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ، مِائَةَ
مَرَّةٍ، حُطَّتْ عنه خَطَايَاهُ، وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ
الْبَحْرِ»[19]،
وفي رواية عند مسلم: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسـي:
سُبْحَانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ
أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلاَّ
أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ»[20].
والأحاديث في
أنواع الذِّكر وفضلها كثيرة، والذي تقدَّم هو من أشهر وأصحّ ما ورد
من الذِّكر مما له فضل، وورد غيره كثير، فعن أبي موسـى الأَشْعَرِي
رضي الله عنه قال: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:
«أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟»
فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: «قُل لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ
بِاللّهِ»[21].
وعن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:
«لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللّهِ، وَالْحَمْدُ للّهِ، وَلاَ
إِلَـهَ إِلاَّ اللّهُ، وَاللّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا
طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ»[22].
والاستغفار
أيضاً هو من أنواع الذِّكر، وتقدَّم حديث الأغرِّ المُزني رضي الله
عنه عند مسلم، وقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ
لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللّهَ فِي
الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ»[23].
وهذا فعله صلى
الله عليه وسلم، وقد حثَّ على الاستغفار من قوله، كما في صحيح مسلم
عن الأغرِّ رضي الله عنه أيضاً قال: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله
عليه وسلم: «يا أيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللّهِ، فَإِنِّي
أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ»[24].
وعند البخاري من
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللّهِ صلى الله
عليه وسلم يقول: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ
مَرَّةً»[25]،
فينبغي للعبد ألَّا يغفل عن الاستغفار.
وأختم سُنَّة
الذِّكر -وكذا جميع السُّنَن اليوميَّة- بذكر عظيم جاء في الصحيحين،
ختم به البخاري صحيحه، وختم به ابن حجر كتابه بلوغ المرام، وهو
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله
عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ
فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمنِ: سُبْحَانَ اللّه
وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللّهِ الْعَظِيمِ»[26].
مستلة من كتاب: المنح العلية في
بيان السنن اليومية
[1]
مجموع الفتاوى (10/ 661).
[2]
رواه البخاري برقم (1135)، ومسلم برقم (773).
[3]
رواه البخاري برقم (5054)، ومسلم برقم (1159).
[4]
رواه مسلم برقم (747).
[5]
رواه أحمد برقم (16166)، وأبو داود برقم (1393).
[6]
انظر: سـير أعلام النبلاء(4/ 269).
[7]
رواه البخاري برقم (6407)، ومسلم برقم (779)
[8]
مدارج السالكين (2/ 423).
[9]
انظر: الوابل الصـيب (ص94).
[10]
رواه البخاري برقم (7405)، ومسلم برقم (2675). من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه.
[11]
رواه مسلم برقم (373).
[12]
رواه مسلم برقم (2702).
[13]
شـرح النووي لمسلم، حديث (2702)، باب: استحباب الاستغفار،
والاستكثار منه.
[14]
رواه مسلم برقم (2676).
[15]
رواه أحمد برقم (17680)، والترمذي برقم (3375)، وصححه
الألباني (صحيح الجامع 2/ 1273).
[16]
رواه البخاري برقم (3293)، ومسلم برقم (2691).
[17]
رواه البخاري برقم (6404)، ومسلم برقم (2693).
[18]
رواه مسلم برقم (2698).
[19]
رواه البخاري برقم (6405)، ومسلم برقم (2692).
[20]
رواه مسلم برقم (2692).
[21]
رواه البخاري برقم (4202)، ومسلم برقم (2704).
[22]
رواه مسلم برقم (2695).
[23]
رواه مسلم برقم (2702).
[24]
رواه مسلم برقم (2702).
[25]
رواه البخاري برقم (6307).
[26]
رواه البخاري برقم (6406)، ومسلم برقم (2694.
|
0 التعليقات: