د.محمود بن أحمد بن صالح الدوسري
مقدمة:
الاعتناء بدراسة القرآن الكريم ومعرفة أسراره من أوجب الواجبات, فإن أية أمة تشرف بشرف كتابها المنزل..ولكننا اليوم نشهد هجرا للقرآن العظيم في أنحاء شتى, فقد هجر القرآن الكريم تلاوة,وهجر تدبرا, وهجر عملا,وهجر تحاكما, وهجر استشفاء وتداويا.
معنى هجر القرآن:
وهجر القرآن يعني عدة أمور:
1ـ ترك الإيمان به وعدم الالتفات إليه كلية.
2ـ القول السيئ في القرآن,والزعم الباطل بأنه سحر أو شعر أو أساطير الأولين.
3ـ الاعراض والبعد عن القرآن وعدم سماعه ورفع الأصوات بالهذيان إذا قرئ لئلا يسمع.
4ـ ترك العمل به وعدم امتثال أوامره وعدم اجتناب زواجره.
5ـ  ترك تحكيمه والاحتكام إليه.
6ـ ترك تلاوته وحفظه أو نسيانه بعد حفظه.
7ـ ترك تدبره وفهمه.
8ـ ترك الاستشفاء والتداوي به.
9ـ الحرج الذي في الصدور منه.
أنواع هجر القرآن:
1ـ هجر الإيمان بالقرآن (الكفر به):
فالايمان بالقرآن هو أحد أصول الإيمان وأركانه, أوجبه الله عز وجل على العباد, فلا يتم إيمان أحد إلا إذا آمن به تفصيلا,وبالكتب التى أنزلها الله تعالي على رسله إجمالا, وأفضلها القرآن الكريم.
2 ـ هجر تعظيم القرآن ( الاستهزاء به):
فلكتاب الله تعالى المكانة العظيمة والمنزلة الجليلة في قلب كل مؤمن, إذ هو كلام الله تعالي ولايماثل شيئا من كلام الخلق,ولايقدر على مثله أحد من الخلق, وتعظيمه وإجلاله دليل على تعظيم الله سبحانه وخشيته,ولذلك أجمع أهل العلم على وجوب احترام المصحف وتعظيمه وتكريمه, كما أجمعوا على حرمه امتهانه.
3ـ هجر استماع القرآن:
فمن أكبر الجرم وأعظم الظلم للنفس أن يعرض الإنسان عن القرآن العظيم الذي فيه سعادته في الدنيا ونجاته يوم القيامة, فلم يفتح مسامعه للآيات البينات,ولم يتذكر بما ذكر به , ونسي ما قدمت يداه من الكفر والمعاصي ولم يتفكر في عاقبتهما.
4ـ هجر تعلم القرآن وتعليمه:
الإعراض عن تعلم القرآن وتعليمه يأخذ في الواقع المعاصر مظاهر عدة, فربما كان تشاغلا بأمر من أمور الدنيا, أو كان زهدا في تعلم القرآن وتعليمه, أو كان تكاسلا عن التعلم والتعليم,أو جهلا بفضل تعلم القرآن وتعليمه.
5ـ هجر تلاوة القرآن:
ومن مظاهر هجر التلاوة الانقطاع عن التلاوة لفترات طويلة,وهجر التلاوة في البيوت ووسائل التنقل,والجهل بأحكام التجويد وعدم الحرص على تعلمها,وعدم الخشوع أثناء التلاوة,وترك الالتزام بآداب التلاوة,وعدم استشعار فضائل وثمرات تلاوة القرآن, وضعف الهمة وعدم الصبر على هذه العبادة الجليلة.
6ـ هجر حفظ القرآن:
وحفظ القران يعني حمله واستظهاره وقراءته عن ظهر قلب وعلى ظهر اللسان,والمواظبة والمعاهدة للمحفوظ,وصيانته ورعايته عن الغفلة والنسيان.
وهجر الحفظ نوعان, الأول هجر ابتداء بعدم حفظه وبالزهد في تعلمه,والثاني هجره بعد حفظه وذلك بالانشغال عنه وعدم تعاهده فيؤدي إلى تفلته.
7ـ هجر تدبر القرآن:
ومعنى تدبر القرآن تفهم معاني ألفاظه,والتفكر فيما تدل عليه آياته مطابقة وتضمنا وما لا تتم تلك المعاني إلا به من الإشارات والتنبيهات وانتفاع القلب بذلك بخشوعه عند مواعظه وخضوعه لأوامره ونواهيه,وأخذ العبره منه.
ولاريب أن هجر التدبر له أسباب  كثيرة ومتنوعه وتختلف من هاجر لآخر ولربما اجتمع أكثر من سبب في شخص واحد ومن ذلك الاصرار على الذنوب, وانشغال القلب,والجهل باللغة العربية,والتشاغل بكثرة التلاوة.
8ـ هجر العمل بالقرآن:
ومعنى العمل بالقرآن أن يتخذه المسلم شرعه ومنهاجا في حياته, فيأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه,ويحتكم إليه في كل شؤونه الخاصة والعامة, فيصبح كأنه قرآن يمشي على الأرض.
ومن اعتقد جواز مخالفة القرآن فيما دل عليه من أحكام فقد كفر,لأنه أجاز مخالفة الله تعالي,وإجازة مخالفته سبحانه ردة واضحة,لأنها تعني أن يرد على الله كلامه سبحانه وتعالي.
وينبغي أن يفرق بين من يخالف أحكام القرآن وهو لايعتقد أن غيرها خير منها ولا يقر بجواز مخالفتها, وبين من يخالف أحكام القرآن من منطلق عدم صلاحيتها وأنه يجوز العدول عنها إلى غيرها.
9 ـ هجر التحاكم إلى القرآن:
الناظر في القرآن يجد أن الآيات التى تدل على وجوب التحاكم إلى ما أنزل الله تعالي كثيرة,وقد وردت بأساليب متعددة في الدلالة على وجوب احتكام الناس جميعا حكاما ومحكومين إلى ما أنزل الله تعالي.
وأسباب هجر التحاكم إلى القرآن متعددة, منها كراهية ما أنزل الله تعالي, ومنها الاستكبار,وإيثار المتاع العاجل, والتقليد المذموم.
 حكم هجر القرآن:
ويختلف حكم هجر القرآن باختلاف نوع الهجر وحال الهاجر,فإن كان هجر القرآن بترك الإيمان به, أو الاعراض عنه, أو عدم التحاكم إليه بالكلية أو اللغو فيه فهذا كفر صراح.
وإن كان هجر القرآن بمعنى الترك المؤدي إلى النسيان بعد الحفظ فقد ذكر ابن حجر الهيتمي أنه من الكبائر.
وأما إن كان الهجر متعلقا بعدم العمل به مع الإيمان به والاقرار بأنه كلام الله تعالي الذي يجب اتباعه فذلك معصية يتوقف كونها كبيرة أو صغيرة على نوع المخالفة ذاتها.
وأما إن كان الهجر بمعنى ترك التلاوة, أو ترك التدبر, أو ترك الاستشفاء به فهو مؤاخذ على فعله بحسب نوع تقصيره.