وصايا من جوامع الكلم
وصايا من جوامع الكلم
الشيخ عبدالله بن صالح
القصيِّر
الحمد
لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين.
أما بعد:
فإن من المتفق عليه بين أهل العلم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصاراً فيعبر عن المعاني الكبيرة الكثيرة بألفاظ واضحة يسيرة. فمن جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ما وصى به أحد أصحابه – رضي الله عنهم – قائلاً : (( اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن )). فهذه ثلاث وصايا عظيمة جوامع لخيري الدنيا والآخرة: فالأولى: الوصية بتقوى الله تعالى في كل حال وزمان ومكان والتقوى اتخاذ وقاية بين الشخص وبين عذاب الله تعالى بفعل كطاعة الله على نور الله رجاء ثواب الله وترك معصية الله على نور من الله خوف عقاب الله ، فلا يراه الله حيث نهاه ولا يفقده حيث أمره وغايتها أن يدع مالا بأس به خشية مما به بأس . والوصية بالتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين قال الله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ} وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (( وأكرم الناس عند الله تعالى أتقاهم له )). ومن ثمرات التقوى المخرج من الضيق والرزق من غير احتساب وتيسير الأمور وتكفير السيئات وعظم الأجور قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} وقال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً}. ومن ثمراتها العلم النافع والفرقان بين الحق والباطل وإيتاء الرحمة والنور ومغفرة الذنوب وزيادة الفضل قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ} وقـال سبحانه وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}. وأعظم ثمرات التقوى النجاة من النار وراثة الجنة دار الأخيار فإن الله تعالى لما ذكر النار قال الله تعالى : {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} وقال الله تعالى في الجنة: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً}. وبالجملة فأسعد الناس وأوفرهم حظاً من خيري الدنيا والآخرة وأعظمهم أجراً وأعلاهم رتبة في الجنة وفوزاً برضا الله تعالى أكملهم حظاً من التقوى. أما الوصية الثانية: فإنه لما كان ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون فمهما اجتهد الإنسان في تحقيق التقوى فإنه لابد أن يحدث منه ما ينقص تقواه أرشد الله ورسوله العبد إلى ما يحصل به تدارك ذلك وسد ما يحصل من خلل فقال الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} ((وأتبع السيئة الحسنة تمحها)) يعني إذا أسأت فأحسن ذلك لأن الله تعالى يمحو السيء بالحسن فـ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله)). فما دام ابن آدم كلما تاب وكلما غفل ذكر الله وكلما ظلم أصلح مع الندم على فعله والعزم على ألا يعود لمثله فإنه لا يبقي عليه خطيئة ، فما أعظمها من وصية لمن عقلها وعمل بها. أما الوصية الثالثة: فهي قوله صلى الله عليه وسلم: ((وخالق الناس بخلق حسن)) فتلك وصية بالإحسان في معاملة الناس ولن يتأتى ذلك إلا بالخلق الحسن فإنما يوسع الناس بالأخلاق لا بالأرزاق والخلق الحسن تتحقق به سلامة الصدور واتقاء الشرور وصلاح ذات البين والتعاون على كل خير وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه أثقل شيء في ميزان العبد يوم القيامة وأنه ذهب بخير الدنيا والآخرة أن جمع خيرهما وأن أهل الخلق الحسن أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقربهم منه منزلة يوم القيامة وضمن صلى الله عليه وسلم بيتاً في أعلى الجنة لمن حسن خلقه. والخلق الحسن يتحقق بخمسة أمور: الأول: طلاقة الوجه عند اللقاء فإنه من المعروف. الثاني: الكلمة الطيبة فإنها صدقة. الثالث: كف الأذى عن الناس فإنه صدقة من المرء نفسه. الرابع: تحمل أذى الناس ما كانت فيه المصلحة راجحة. الخامس: الإحسان إلى الناس ما أمكن وفي هذين يقول سبحانه وتعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. وسوء الخلق من أعظم أسباب الجنايات ومسببات الأمراض. فبالخلق الحسن يحسن المرء إلى نفسه وغلى غيره ويتقي الشر كله ولهذا أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم. جعلنا الله جميعاً من أمة المتقين ومن التوابين المتطهرين وبأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مقتدين فإنه المخاطب بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. |
0 التعليقات: