التربية بالقرآن
التربية بالقرآن
أ. د. سليمان بن قاسم بن محمد العيد
الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد:
فهذه ورقة في التربية
القرآنية
تقديم:
﴿
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ
يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا
كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9].
تقديم:
﴿
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ
مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ
الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82].
تقديم:
﴿
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ
لِتَشْقَى ﴾ [طه: 2].
﴿
وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ
فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ
ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾
[النمل: 92].
تأثروا بالقرآن:
﴿
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ
نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا
حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا
إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 29].
﴿
قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا
سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الأحقاف: 30].
تقديم:
﴿
لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا
الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا
مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ
نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
﴾ [الحشر: 21].
هدي القرآن:
﴿
ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ
فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2].
هدي القرآن: ﴿
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ
رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة:
129].
هدي القرآن: ﴿
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ
الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا
فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
[النحل: 64].
هدي القرآن:
﴿
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ
أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا
بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ
الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً
وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].
هدي القرآن:
﴿
لَقَدْ أَنْزَلْنَا
إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
﴾ [الأنبياء: 10].
مقاصد القرآن الكريم:
له ثلاثة
مقاصد رئيسية أن يكون هداية للثقلين، وأن يقوم آية لتأييد
النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن يتعبد الله خلقه بتلاوة
هذا الطراز الأعلى من كلامه المقدس.
هداية القرآن:
مزية التربية بالقرآن:
القرآن تمتاز
بأنها عامة وتامة وواضحة، أما عمومها، فلأنها تنتظم الإنس
والجن في كل عصر ومصر، وفي كل زمان ومكان؛ قال الله -
سبحانه -: ﴿ وَأُوحِيَ
إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ
بَلَغَ ﴾ [الأنعام: 19]، وقال - جلَّت حكمته -: ﴿
وَهَذَا كِتَابٌ
أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ
يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا
﴾ [الأنعام: 92]، وقال - عز اسمه -: ﴿
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾
[الأعراف: 158].
وقال - عمَّت
رحمته -:﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا
إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ
فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ
وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ
* قَالُوا يَا
قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ
مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى
الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ
* يَا قَوْمَنَا
أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ
مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
* وَمَنْ لَا يُجِبْ
دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ
وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي
ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الأحقاف: 29 - 32].
وأما تمام هذه الهداية،
فلأنها احتوت أرقى وأوفى ما عرَفت البشرية وعرف التاريخ من
هدايات الله والناس، وانتظمت كل ما يحتاج إليه الخلق في
العقائد والأخلاق، والعبادات والمعاملات على اختلاف
أنواعها، وجمعت بين مصالح البشر في العاجلة والآجلة،
ونظَمت علاقة الإنسان بربه وبالكون الذين يعيش فيه،
ووفَّقت بطريقة حكيمة بين مطالب الروح والجسد، اقرأ إن شئت
قوله - سبحانه -: ﴿ لَيْسَ
الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي
الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ
السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ
الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ
إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾
[البقرة: 177].
وقال - جل
جلاله -: ﴿ يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].
وقال - عز من
قائل -: ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا
رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ
تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172].
وقال - تعالت
حكمته -: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ
الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ
فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10].
إلى غير ذلك
من آيات كثيرة، وأما وضوح هذه الهداية، فلعرضها عرضًا
رائعًا مؤثرًا، توافرت فيه كل وسائل الإيضاح وعوامل
الإقناع.
أسلوب فذٌّ
معجز في بلاغته وبيانه، واستدلال بسيط عميق يستمد بساطته
وعمقه من كتاب الكون الناطق، وأمثال خلابة تخرج أدق
المعقولات في صورة أجلى الملموسات وحكم بالغات تُبهر
الألباب بمحاسن الإسلام وجلال التشريع، وقَصص حكيم مختار
يقوي الإيمان واليقين، ويُهذب النفوس والغرائز، ويَصقُل
الأفكار والعواطف، ويدفع الإنسان دفعًا إلى التضحية
والنهضة، ويُصور له مستقبل الأبرار والفجار تصويرًا يجعله
كأنه حاضر تراه الأبصار في رابعة النهار، والأمثلة على ذلك
كثيرة في القرآن يُخرجنا استعراضها عما نحن بسبيله الآن،
والمهم أن نعلم في هذا المقام أن الهدايات القرآنية
الكريمة منها ما استُفِيد من معاني القرآن الأصيلة، ومنها
ما استُفِيد من معانيه التابعة، أما القسم الأول، فواضح لا
يحتاج إلى تمثيلٍ، وهو موضع اتفاق بين الجميع، وأما القسم
الثاني، ففيه دقة جعَلت بعض الباحثين يجادل فيه، وإنا
نوضحه لك بأمثلة نستمدها من فاتحة الكتاب العزيز:
منها استفادة
أدب الابتداء بالبسملة في كل أمر ذي بال، أخذًا من ابتداء
الله كتابه بها، ومن افتتاحه كلَّ سورة من سورة بها عدا
سورة التوبة.
ومنها استفادة
أن الاستعانة في أي شيء لا تستمد إلا من اسم الله وحده،
أخذًا من إضافة الاسم إلى لفظ الجلالة موصوفًا بالرحمن
الرحيم، ومن القصر المفهوم من البسملة على تقدير عامل
الجار والمجرور متأخرًا، ومن تقدير هذا العامل عامًّا لا
خاصًّا.
ومنها استفادة
الاستدلال على أن الحمد مستحق لله بأمور ثلاثة: تربيته
تعالى للعوالم كلها، ورحمته الواسعة التي ظهرت آثارها،
وتأصل اتصافه تعالى بها، وتصرُّفه وحده بالجزاء العادل في
يوم الجزاء، وذلك أخذًا من جريان هذه الأوصاف على اسم
الجلالة في مقام حمْدٍ بقوله - سبحانه -: ﴿
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ *
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ *
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 2 -
4].
ومنها استفادة
التوحيد بنوعيه - توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية - من
القصر الماثل في قوله - سبحانه -: ﴿
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]؛ مناهل العرفان في علوم
القرآن، ج2:ص89.
ومنها استفادة
دليل هذا التوحيد من الآيات السابقة عليه، ووقوعه هو في
سياقها عُقيبها، كما تقع النتيجة عقب مقدماتها.
ومنها استفادة
أن الهداية إلى الصراط المستقيم هي المطمع الأسمى الذي يجب
أن يرمي إليه الناس، ويتنافس فيه المتنافسون يدل على ذلك
اختيارها والاقتصار على طلبها، والدعاء بها، ثم انتهاء
سورة الفاتحة بها كما تنتهي البدايات بمقاصدها.
ومنها استفادة
أن الهداية لا يرجى فيها إلا الله وحده؛ لأنها انتظمت مع
آيات التوحيد قبلها في سمط واحد.
ومنها استفادة
أدب من الآداب، هو أن يقدم الداعي ثناء الله على دعائه
استنتاجًا من ترتيب هذه الآيات الكريمة؛ حيث تقدم فيها ما
يتصل بحمد الله وتمجيده وتوحيده، على ما يتصل بدعائه
واستهدائه.
هذه أمثلة
اقتبسناها من سورة الفاتحة، ونحن لا نظن أن أحدًا يخاصم
فيها هاك مثالين مما وقع فيه خلاف العلماء.
المثال الأول:
استفادة وجوب الترتيب بين أعضاء الوضوء في الطهارة؛ أخذًا
من مخالفة مقتضى الظاهر في ذكر هذه الأعضاء بآية الوضوء؛
إذ يقول الله - سبحانه -: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى
الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ
إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ [المائدة: 6].
فأنت ترى أنه
- تعالَت حكمته - ذكَر الرأس وهو ممسوح بين الأعضاء
الأخرى، وهي مغسولة، وكان مقتضى الظاهر أن تتصل المغسولات
بعضها ببعض، وتذكر قبل الممسوح أو بعده؛ لأن المغسولات
متماثلة، والعرب لا تفصل بين المتماثلات إلا لحكمة،
والحكمة هنا هي إفادة وجوب الترتيب بين أعضاء الوضوء في
الطهارة على نمط الترتيب الماثل في هذه الآية.
وثمة وجه آخر
لاستفادة حكم هذا الترتيب أيضًا؛ ذلك أن الآية المذكورة لم
تعرض فيها أعضاء الوضوء مرتبة ترتيبًا تصاعديًّا، ولا
ترتيبًا تنازليًّا، فلم يبدأ فيها بالأعالي متبوعة
بالأسافل، ولا بالأسافل متبوعة بالأعالي، بل ذكر فيها
عاليًا ثم سافلاً، ثم أعلى ثم أسفل، وذلك خلاف مقتضى
الظاهر، ومثله لا يصدر في لغة العرب إلا لحكمة، وما الحكمة
هنا فيما نفَهم إلا إفادة وجوب الترتيب في الوضوء، وبهذا
قال الشافعية والحنابلة، وإن خالفهم الحنفية والمالكية.
المثال الثاني:
استفادة وجوب مسح رُبُع الرأس في الوضوء؛ أخذًا من مخالفة
مقتضى الظاهر أيضًا في قوله - سبحانه -: ﴿
وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ
﴾ [المائدة: 6]؛ حيث دخلت باء؛ مناهل العرفان في علوم
القرآن، ج2:ص294.
ولهذا كان
أعداء الرسل كثيرًا ما يعظم عليهم أن يخضعوا لرجل منهم،
وكانوا يعجبون أن يوحى إلى بشرٍ مثلهم، ويقترحون أن يروا
الله جهرة، أو تنزل لهم الملائكة عيانًا، فلو كان محمد
صاحب هذا التنزيل، لخرج عن مستوى الخلق جملة، ولظهر في
أُفق الألوهية يطل على العالم بعظمة تنقطع دونها الأعناق،
وتخضع لها الرقاب، وأن يحقق كل ما اقترحه معارضوه من
الآيات، ولكنه اعترف بعبوديته حينذاك، وتبرأ من حوله وقوته
إزاء هذا الكتاب وغيره من المعجزات وخوارق العادات، اقرأ
في سورة الإسراء: ﴿ وَقَالُوا
لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ
يَنْبُوعًا * أَوْ
تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ
الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا
* أَوْ تُسْقِطَ
السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ
تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا
* أَوْ يَكُونَ لَكَ
بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ
نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا
نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا
بَشَرًا رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 90 - 93].
الوجه الرابع: عشر تأثير
القرآن ونجاحه:
تقديم:
ومعنى هذا أن
القرآن بلغ في تأثيره ونجاحه مبلغًا خرق به العادة في كل
ما عرَف من كتب الله والناس، وخرج عن المعهود في سنن الله
من التأثير النافع بالكلام وغير الكلام، وبيان ذلك أن
الإصلاح العام الذي جاء به القرآن والانقلاب العالمي الذي
ترَكه هذا الكتاب ما حدَث، ولم يكن ليحدث في أي عهد من
عهود التاريخ قديمه وحديثه، إلا على أساس من الإيمان
العميق القائم على وِجدان قوي؛ بحيث يكون له من السلطان
القاهر على النفوس والحكم النافذ على العواطف والميول، ما
يصد الناس عن نَهجهم الأول في عقائدهم التي توارَثوها
وعبادتهم التي ألِفوها وأخلاقهم، التي نشؤوا عليها
وعاداتهم التي امتزَجت بدمائهم، وما يحملهم على اعتناق هذا
الدين الجديد الذي هدَم تلك الموروثات فيهم، وحارَب تلك
الأوضاع المألوفة لديهم، وهذا الأساس الذي لا بد منه
تَقصُر عنه في العادة جميع الكتب التعليمية التي يؤلفها
العلماء والمصلحون، وتَعجِز عن إيجاده كافة القوانين
البشرية التي يضعها القادة والمشرعون؛ لأن قصارى هذه الكتب
والقوانين إذا وُفِّقت أن تشرح الحقائق وتُبين الواجهات،
لا أن تحمل على الإيمان والإذعان، وتدفع إلى العمل بوحي
هذا الإيمان، وإذا فرض أن يؤمن بها أصحاب الاستعداد
السليم، فإيمانٌ مجرد حينئذ من قوة الدفع ودفعة التحويل،
ولا سبيل في العادة إلى التأثير بها على الجماهير، ونجاحها
فيهم نجاحًا عامًا، إلا بأمرين: أحدهما تربية الأحداث
وترويضهم عليها علمًا وعملاً من عهد الطفولة، والآخر قوة
حاكمة تحمل الكبار على احترامها حملاً بالقوة والقهر، ومع
هذا وذاك فتربية الصغار على هذا الغرار هيهات أن تكون
تربية استقلالية، بل هي تقليدية تفقد الدليل والبرهان،
وكذلك إجبار الكبار هيهات أن يصل إلى موضع الإذعان
والوجدان، لكن القرآن الكريم وحده وهو الذي نفخ الإيمان في
الكبار والصغار نفخًا، وبثه روحًا عامًّا، وأشعر النفوس
بما جاء فيه إشعارًا، ودفعها إلى التخلي عن موروثاتها
ومقدساتها جملةً، وحملها على التحلي بهديه الكريم علمًا
وعملاً، على حين أن الذي أتى بهذا القرآن رجل أمي لا دولة
له ولا سلطان، ولا حكومة ولا جند، ولا اضطهاد ولا إجبار،
إنما هو الاقتناع والرغبة والرضا والإذعان؛ ﴿
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ
قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ [البقرة:
256]؛ مناهل العرفان في علوم القرآن ج2:ص89.
أما السيف ومشروعية الجهاد
في الإسلام، فلم يكن لأجل تقرير عقيدة في نفس ولا
لإكراه شخص أو جماعة على عبادة، ولكن لدفع أصحاب السيوف عن
إذلاله واضطهاده، وحمْلهم على أن يتركوا دعوة الحق حرة
طليقة؛ حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، هذا الأساس الذي
وضعه القرآن وحده هو سر نهضته، وإن شئت فقل: هو نار ثورته،
بل هو نور هدايته والروح الساري لإحياء العالم بدعوته،
وذلك عن طريق أسلوبه المعجز الذي هو النفوس والمشاعر، وملك
القلوب والعقول، وكان له من السلطان ما جعل أعداءه منذ
نزوله إلى اليوم يخشون بأسه وصَولته، ويخافون تأثيره
وعمله، أكثر مما يخافون الجيوش الفاتحة والحرب الجائحة؛
لأن سلطان الجيوش والحروب لا يعدو هياكل الأجسام والأشباح،
أما سلطان هذا الكتاب، فقد امتدَّ إلى حرائر النفوس وكرائم
الأرواح، بما لم يعهد له نظير في أية نهضة من النهضات.
ولقد أشار
القرآن نفسه إلى هذا الوجه من وجوه إعجازه، حين سمى الله
كتابه روحًا من أمره بقوله:﴿
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا
﴾ [الشورى: 52].
وحين سماه
نورًا بقوله: ﴿ قَدْ
جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾
[المائدة: 15].
وحين وصف
بالحياة والنور مَن آمَن به في قوله: ﴿
أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا
فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي
النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ
بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122].
وفي قوله: ﴿
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ
ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97].
وفي قوله: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا
دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24].
هذا التأثير
الخارق أو النجاح الباهر الذي نتحدث فيه، أدركه ولا يزال
يدركه كل من قرأ القرآن في تدبُّر وإمعانٍ، ونَصَفةٍ،
حاذقًا لأساليبه العربية، مُلمًّا بظروفه وأسباب نزوله،
أما الذين لم يَحذِقوا لغة العرب، ولم يحيطوا بهذه الظروف
والأسباب الخاصة، فيكفيهم أن يسألوا التاريخ عما حمل هذا
الكتاب من قوة محولة، غيرت صورة العالم، ونقلت حدود
الممالك، وعن طريق استيلائها على قلوب المخاطبين به لأول
مرة استيلاءً أشبه بالقهر، وما هو بالقهر، وأفعل من السحر
وما هو بالسحر؛ سواء في ذلك أنصاره وأعداؤه ومخالفوه، وما
ذاك إلا لأنهم ذاقوا بسلامة فِطرتهم العربية بلاغته،
ولمسوا بحاستهم البيانية إعجازه، فوجد تياره الكهربائي
موضعًا في نفوسهم لشرارة ناره، أو لهطول غيثه وانبلاج
أنواره؛ مناهل العرفان في علوم القرآن، ج2:ص294.
تأثيره في أعدائه:
أما أعداؤه
المشركون، فقد ثبت أنه جذبهم إليه بقوته في مظاهر كثيرة،
نذكر بعضها على سبيل التمثيل:
المظهر الأول: أن
هؤلاء المشركين مع حربهم له ونفورهم مما جاء به، كانوا
يخرجون في جُنح الليل البهيم يستمعون إليه والمسلمون
يرتلونه في بيوتهم، فهل ذاك إلا لأنه استولى على مشاعرهم،
ولكن أبى عليهم عنادُهم وكبرهم وكراهيتهم للحق، أن يؤمنوا
به، بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون.
المظهر الثاني: أن
أئمة الكفر منهم كانوا يجتهدون في صد رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - عن قراءته في المسجد الحرام، وفي مجامع العرب
وأسواقهم، وكذلك كانوا يمنعون المسلمين من إظهاره، حتى لقد
هالَهم من أبي أبكر أن يصلي به في فناء داره؛ وذلك لأن
الأولاد والنساء كانوا يجتمعون عليه يستمتعون بلذة هذا
الحديث، ويتأثرون به ويهتزون له.
المظهر الثالث: أنهم
ذُعِروا ذعرًا شديدًا من قوة تأثيره ونفوذه إلى النفوس،
على رغم صدهم عنه، واضطهادهم لمن أذعَن له، فتواصوا على
ألا يسمعوه، وتعاقدوا على أن يلغوا فيه إذا سمعوه، ﴿
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ
لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت: 26].
المظهر الرابع: أن
بعض شجعانهم وصناديدهم كان الواحد منهم يحمله طُغيانه
وكفره وتحمُّسه لموروثه، على أن يخرج من بيته شاهرًا سيفه،
مُعلنا غدره، ناويًا القضاء على دعوة القرآن، ومن جاء
بالقرآن، فما يلبث حين تُدركه لمحة من لمحات العناية،
ويُنصت إلى صوت القرآن في سورة أو آية، أن يَذِلَّ للحق،
ويَخشَع ويؤمن بالله ورسوله وكتابه ويخضع، وإن أردتَ
شاهدًا على هذا، فاستعرض قصة إسلام عمر وهي مشهورة، أو
تأمل كيف أسلم سعد بن معاذ سيد قبيلة الأوس، هو وابن أخيه
أُسيد بن حضير - رضي الله عنهم أجمعين - وإليك كلمة قصيرة
عن إسلام سعد وأسيد، فيها نفْع كبير، روت كتب السيرة أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مكة قبل الهجرة
أرسل مع أهل المدينة الذين جاؤوا وبايَعوه بيعة العقبة
مبعوثين جليلين، يعلمانهم الإسلام وينشرانه في المدينة،
هما مصعب بن عمير، وعبدالله بن أم مكتوم - رضي الله عنهما
- وقد نجح هذان في مهمتهما أكثرَ نجاحٍ، وأحدثا في المدينة
ثورة فكرية أو حركة تبشيرية، جزَع لها سعد بن معاذ سيد
قبيلة الأوس، حتى قال لابن أخيه أسيد بن حضير: ألا تذهب
إلى هذين الرجلين اللذين أتيا يُسفهان ضعفاءَنا،
فتَزجرهما، فلما انتهى إليهما أسيد، قال لهما: ما جاء بكما
تسفهان ضعفاءَنا، ثم هدَّدهما وقال: اعتزلا إن كانت لكما
في أنفسكما حاجة، ورضي الله عن مصعب، فقد تغاضى عن هذه
التهديد، وقال لأسيد في وقار المؤمن وثباته، أو تجلس
فتسمع، فإن رضيتَ أمرًا قبِلته، وإن كرِهته، كفَفنا عنك ما
تكره، ثم قرأ مصعب القرآن وأسيد يسمع، فما قام من مجلسه
حتى أسلَم، ثم كر راجعًا إلى سعد، فقال له: والله ما رأيت
بالرجلين بأسًا، فغضب سعد، وذهب هو نفسه ثائرًا مهتاجًا،
فاستقبله مصعب بما استقبل به أُسيدًا، وانتهى الأمر
بإسلامه أيضًا، ثم كر راجعًا، فجمع قبيلته، وقال لهم: ما
تعدونني فيكم؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا، فقال سعد: كلام
رجالكم ونسائكم عليّ حرام، حتى تُسلموا، فأسلموا أجمعين؛
مناهل العرفان في علوم القرآن، ج2، ص294.
تأثير القرآن في نفوس
أوليائه: تلك مظاهر لفعل القرآن بنفوس شانئيه، فهل
تدري ماذا فعل بهم بعد أن دانوا له وآمَنوا به، وأصبحوا من
تابعيه ومُحبيه؟
لعلك لم تنس
ما فعل القرآن بعمر وسعد وأُسيد، الذين نوَّهنا بهم بين
يديك، ألم يعودوا من خيرة جنود الإسلام ودعاته مَن يوم
أسلموا، بل من ساعة أسلموا، وهناك مظاهر أربعة لهذا الضرب
أيضًا:
المظهر الأول:
تنافسهم في حفظه وقراءته في الصلاة وفي غير الصلاة، حتى
لقد طاب لهم أن يهجروا لذيذ منامهم من أجل تهجُّدهم به في
الأسحار، ومناجاتهم العزيزَ الغفار، وما كان هذا حالاً
نادرًا فيهم، بل ورد أن المار على بيوت الصحابة بالليل،
كان يسمع لها دويًّا كدويِّ النحل بالقرآن، وكان التفاضل
بينهم بمقدار ما يحفظ أحدهم من القرآن، وكانت المرأة ترضى
بل تَغتبط أن يكون مهرها سورة يعلمها إيَّاها زوجها من
القرآن.
المظهر الثاني:
عملهم به وتنفيذهم لتعاليمه في كل شأن من شؤونهم، تاركين
كل ما كانوا عليه مما يخالف تعاليمه ويجافي هداياته؛ طيبة
بذلك نفوسُهم، طيِّعة أجسامهم، سخيَّة أيديهم وأرواحهم،
حتى صهَرهم القرآن في بَوتقته، وأخرجهم للعالم خلقًا آخر؛
مستقيم العقيدة، قويم العبادة، طاهر العادة، كريم الخلق،
نبيل المطمَح.
المظهر الثالث:
استبسالهم في نشر القرآن والدفاع عنه وعن هدايته، فأخلصوا
له وصدَقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، وهو
مدافع عنه، ومنهم من انتظر حتى أتاه اليقين وهو مجاهد في
سبيله، مضحٍّ بنفسه ونفيسه، ولقد بلغ الأمر حد أن الرسول -
صلى الله عليه وسلم - كان يرد بعض من يتطوع بالجندية من
الشباب لحداثة أسنانهم، وكان كثير من ذوي الأعذار يؤلمهم
التخلف عن الغزو، حتى يضطر الرسول أن يتخلف معهم جبرًا
لخاطرهم، ويرسل سراياه وبعوثه بعد أن ينظمها ويُزودها بما
تحتاجه، ولا يخرج معهم؛ روى مالك والشيخان أن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - قال: ((والذي نفس محمد بيده، لولا أن
أشق على المسلمين، ما قعَدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله
أبدًا، ولكن لا أجد سَعة فأحمِلهم، ولا يجدون سَعة، ويشق
عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده، لوددت أن أغزو
في سبيل الله، فأُقتل ثم أغزو، فأُقتل ثم أغزو، فأُقتل؛
مناهل العرفان في علوم القرآن ج2:ص294.
المظهر الرابع: ذلك
النجاح الباهر الذي أحرزه القرآن في هداية العالم، فقد
وُجِد قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنبياءُ ومصلحون،
وعلماء ومُشرِّعون، وفلاسفة وأخلاقيون، وحكام ومحكمون، فما
تسنَّى لأحد من هؤلاء - بل ما تسنَّى لجميعهم - أن يحدثوا
مثل هذه النهضة الرائعة التي أحدثها محمد في العقائد
والأخلاق، وفي العبادات والمعاملات، وفي السياسة والإدارة،
وفي كافة نواحي الإصلاح الإنساني، وما كان لمحمد ولا لألف
رجلٍ غير محمد، أن يأتوا بمثل هذا الدستور الصالح الذي
أحيا مَوات الأمة العربية في أقل من عشرين سنة، ثم نفخ
فيهم من روحه، فهبُّوا بعد وفاته ينقذون العالم، ففتحوا
مُلك كسرى وقيصر، ووضعوا رجلاً في الشرق، ورجلاً في الغرب،
وخفَقت رايتهم على نصف المعمور في أقل من قرن ونصف قرن من
الزمان، أفسحر هذا أم هو برهان عقلي لمحه المنصفون من
الباحثين فاكتفوا من محمد - صلى الله عليه وسلم - بهذا
النجاح الباهر دليلاً على أنه رسول من رب العالمين؟
هذا فيلسوف من
فلاسفة فرنسا يذكر في كتاب له ما زعَمه دعاة النصرانية من
أن محمدًا لم يأت بآية على نبوته - كآيات موسى وعيسى - ثم
يُفنِّد هذا الزعم، ويقول: إن محمدًا كان يقرأ القرآن
خاشعًا، أوَّاهًا متأوِّهًا، فتفعل قراءته في جذْب الناس
إلى الإيمان به ما لم تفعله جميع آيات الأنبياء الأولين،
أجَل، لقد صدق الرجل، فإن فعْل القرآن في نفوس العرب كان
أشد وأرقى وأبلغ مما فعلت معجزات جميع الأنبياء، وإن شئت
مقارنة بسيطة، فهذا موسى - عليه السلام - قد أتى بني
إسرائيل بآيات باهرة من عصًا يُلقيها، فإذا هي ثعبان مبين،
ومن يدٍ يخرجها، فإذا هي بيضاء للناظرين، ومن انفلاق
البحر، فإذا هو طريق يابسة يمشون فيها ناجين آمنين إلى غير
ذلك من الآيات الكثيرة في مصر وفي طور سينا مدة التيه، فهل
تعلم مدى تأثير هذه الهدايات في إيمانهم بالله
ووحدانيَّته، وإخلاصهم لدينه ونصرة رسوله؟! إنهم ما كادوا!
آثار على المنهج الدراسي
تربوية لحفظ القرآن الكريم؛ (دراسة محمد رواس قلعه جي
1411):
1- تنمية الحفظ، بل
وضبط الحفظ.
2- تسهيل حفظ العلوم
الأخرى.
3- التذوق الأدبي
مما يسموا بأسلوبه الكتابي والخطابي.
4- الثروة اللغوية
لدى الحافظ.
5- الجرأة الأدبية.
6- اكتساب السلوك
الديني.
آثار على
المنهج الدراسي، العلاقة بين حفظ القرآن الكريم وجودة
القراءة والجهرية، وفَهم المقروء؛ (دراسة محمد موسى عقيلان
1411هـ)، تبين أن هناك علاقة إيجابية قوية بين مدى حفظ
القرآن الكريم وتلاوته، ومستوى أداء الطلاب لمهارتي
القراءة الجهرية وفَهم المقروء، لطلاب الصف السادس
الابتدائي.
آثار على
المنهج الدراسي، العلاقة بين حفظ القرآن الكريم ومهارة
القراءة والإملاء لطالبات الصف الرابع الابتدائي؛ (دراسة
هانم حامد باركندي 1411هـ):
النتائج أن
طالبات مدارس التحفيظ اكتسبن مهارة القراءة بصورة أفضل من
طالبات المدارس العادية، بالرغم من أن حصص القراءة في
المدارس العادية أكثر من حصص القراءة في مدارس تحفيظ
القرآن الكريم (3-2).
والمعنى نفسه
تؤكده دراسة أخرى (حسين قورة، 1981- 469)، أن تدريس القرآن
الكريم ينمي كثيرًا من المهارات الأساسية للقراءة؛ كسرعة
التقاط الكلمات، وفَهم مدلولها، وإصدار الأحكام الصحيحة
على المادة المقروءة.
ويذكر محمود
خاطر (1984) أن من الأسس السليمة في تدريس الإملاء:
الاهتمام بالنطق الصحيح، وإظهار مخارج الحروف، والاعتماد
على أسس التهجي السليم.
الحفظ: إن
الحفظ يواجه في هذه الأيام هجمة شرسة يتزعمها أعداء
الإسلام، وانخدع بها عدد من أبنائه ممن تتلمذوا في
مدارسهم، إنه لا سبيل لقوة الأمة دون حفظٍ، لكنه ليس أي
حفظ، بل الحفظ التربوي، إن أي مقلل لشأن الحفظ لو تأمَّل
في ذات نفسه، لوجد أنه لا يمكنه أن يعيش ولا أن ينجح في
الحياة دون حفظٍ، فهل يمكنك أن تتعامل مع الناس دون أن
تحفظ أسماءهم وأحوالهم؟ وهل يمكنك أن تروي خبرًا دون أن
تحفظه؟ هل يمكنك أن تطبق عمليات الرياضيات دون حفظ جدول
الضرب؟ هل يمكنك أن تفهم كثيرًا من التفاعلات الكيميائية،
دون أن تحفظ الجدول الدوري؟ هل تستطيع أن تطبق نظامًا دون
أن تحفظ مواده؟ هل يمكنك أن تتعلم لغة أجنبية دون أن تحفظ
مصطلحاتها؟.. إلخ.
مزايا التربية
بالقرآن:
إن التربية
بالقرآن سهلة ميسرة؛ كما قال الله تعالى: ﴿
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا
الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [
سورة القمر: 17 ].
جوانب التربية
بالقرآن، الأول:
الكلام أو اللغة، (ويدخل في هذا جميع الوسائل الناقلة
والموصلة للكلام صوتًا أو صورة).
الثاني: النظر
والتفكر في الكون والحياة، ويدخل فيه النظر إلى: القدوات
والنماذج والأمثلة الماضية أو الحاضرة، والتأثر بهم.
الثالث:
الأحداث والمواقف والفُرص، (وهذه لا اختيار للإنسان فيها،
بل هي أقدار تُساق إليه إن خيرًا أو شرًّا، ثم تختلف
النتيجة باختلاف التعامل معها).
هذه مصادر
صناعة الإنسان في الحياة، وبحسب ما يتوفر له منها تتشكل
شخصيته.
وعند الموازنة
بينها نجد أن الأمر الأول هو أقواها وأشملها، وأدومها
وأعمقها أثرًا في معظم الأحوال والأوقات، وهذا عام في كل
أمور الحياة في كل تخصصاتها ومتطلباتها، وفي مقدمة ذلك
يأتي البناء الداخلي للإنسان؛ إذ هو المنطلق والأساس لأي
أمر آخر يراد من هذا الإنسان،
وأيضًا، فإن
الأمرين الآخرين يمكن بسهولة ترجمة وتحويل مضمونهما بواسطة
الأمر الأول بكل دقة، وبكافة التفصيلات والمشاعر والأحاسيس
والمؤثرات، فأي حدث مؤثرٍ، أو موقف معبر، أو نموذج فذٍّ
فريد، يمكن ترجمته بواسطة الكلمات، فالله أعطى الإنسان لغة
يترجم بها كل ما يريد، ويحفظه لنفسه، أو ينقله إلى
الآخرين.
إن الكلام أو
اللغة الحية تتحكم في مشاعر الإنسان وتديرها إلى أي جهة
تراد، ألم تر أن إنسانًا يستمع لمتكلم فيبكي، وآخر يستمع
لمتكلم فيضحك، وثالث يتحمس وينشط، وكله كلام، لكنه كلام
يَختزن في حروفه آلاف الصور والمشاعر التي يتم نقلها عبر
الأذن استماعًا، أو العين قراءةً، وهذا التأثير هو الذي
يمارسه الخطباء، وتمارسه أجهزة الإعلام.
إننا نرى في
الواقع الأثر القوي الذي يحدثه المعلم أو الخطيب، أو
المحامي أو المستشار، فما الذي يفعله هؤلاء؟ وكيف يحدثون
هذا الأثر؟
إنها الثروة
اللغوية الحية التي تعبر عما في النفس، وتصف الواقع بكل
دقة، وتجسده تجسيدًا عميقًا، وتقف على أبعاد وخفايا
الموضوع المطروح، تجد خطيبًا يقف فيهز الجماهير، ويُلهب
المشاعر والأحاسيس، ويغير آراءها ومعتقداتها، بينما يقف
خطيب آخر، فلا يستطيع الوصول إلى ما وصل إليه الأول،
ما الفرق؟ ولماذا؟
الفرق في
الروح التي تسري من المتكلم إلى المستمع، فتبعث في كلماته
الحياة، ومن أجل ذلك كانت قراءة النبي - صلى الله عليه
وسلم - للقرآن تحدث الأثر العظيم حتى في نفوس الكفار؛ مما
يُجبرهم على الاعتراف بهذا الأثر، ولهذا السبب فإن الناس
يختلف تأثيرهم بالقرآن قراءةً وتربيةً، ووعظًا ورقية،
فمنهم قوي التأثير، ومنهم دون ذلك، ومرجع ذلك كله إلى
مقدار حياة مفردات القرآن في نفس القارئ.
الصور في
عصرنا الحاضر قد تطورت بشكل ملحوظ وواسع، لكن تبقى الكلمات
هي سيدة الموقف، والمتفوقة في هذا التخصص؛ ولك أن تقارن
بين ثلاث لوحات إعلان: الأولى احتوت كلمات فقط، والثانية
صورًا فقط، والثالثة كلمات وصورًا.
أيهنَّ أقوى
أثرًا؟ فيما أحسَب أن الثالثة أقوى، ثم الأولى، ثم
الثانية، وسر قوة الثالثة نابع من الكلمات، ولعل المتأمل
في منهج شركات الدعاية والإعلان يلاحظ باستمرار محاولتهم
الربط بكلمة معينة لما يريدون من المستهلك تذكُّره
والانتباه إليه.
الكلمات تفوق
الصور في مهارة التصوير والتجسيد للمعاني الذهنية بمرات
عديدة، فالإنسان الذي رُبِّيت مَلكة التصوير اللغوية لديه،
يفوق تصويره لما يسمع أي صورة مهما كانت، بل إن خياله
يتعداها بمراحل بدليل أنه حين يشاهد الصورة يرى أنها أقل
مما تخيل.
إذا نحن أمام
قضية تربوية كبرى والتي يمكن تسميتها بـ:
(التربية بالنصوص).
ماذا نقصد بالنصوص؟
المقصود بها
نصوص القرآن والسنة وما يتصل بها.
النصوص مكونة
من كلمات وألفاظ، وهي الحروف المرئية أو المسموعة، وكل
كلمة لها معنى أو أكثر، والمعنى هو كل ما يدل عليه اللفظ
من أمور معهودة في الذهن.
ولنضرب مثالاً على تفاوت
الناس حين سماعهم لكلمة معينة بسبب تاريخهم الذهني لها
وسجلها العلمي لديهم:
مثل كلمة
(مكة) يسمعها مجموعة من الأشخاص:
الأول: يعيش في أقصى
الشرق أو الغرب، ولأول مرة يسمع الكلمة ولا يعرف شيئًا
عنها.
الثاني: مسلم يعيش
في أحد البلاد الإسلامية وسمع أو قرأ عنها.
الثالث: يسكن في مكة
منذ سنوات ويقرأ ما كتب عن تاريخها.
الرابع: شخص مسؤول
عن تطوير مكة من كافة جوانبها، وقرأ كل ما كتب عنها في
الماضي والحاضر، وهي مدار عمله اليومي ومحور اهتمامه صباحَ
مساء.
فإن هؤلاء
يختلفون عند سماعهم لهذه الكلمة، وتختلف مشاعرهم وأحاسيسهم
حينما يطلب من كلٍّ منهم أن يتذكر كلَّ ما يعرفه عنها، ولو
أمكن قراءة ما يدور في قلوبهم أثناء هذه التجربة، لوجدنا
اختلافًا كبيرًا.
وبالمثل كلمات:
الحمد / لله /
رب / العالمين / سبحان الله / الله أكبر.
فإنه من
المحقق والمؤكد أن الذين تطرق أسماعهم هذه الكلمات،
يتفاوتون تفاوتًا كبيرًا في فَهمها ووقْعها في أنفسهم،
وتفاعل قلوبهم معها.
لماذا بعض الناس حين يسمع
كلمة تولد عنده الرعب أو الحزن، أو الفرح أو النشاط، أو
تصنع الابتسامة على شفتيه، بينما لا يحدث هذا الأثر عند
آخر مجاور له في المجلس؟
لماذا بعض
الناس يسمع آيات القرآن، فتسري الكهرباء في جسمه، ويحصل له
التأثر العظيم ويبكي، وآخر بجواره يسمع الآيات نفسها لا
تحرك له ساكنًا؟
هذا هو السؤال
الكبير الذي نبحث عن جوابه، ومتى وجدناه وفهِمناه، أمكننا
- بإذن الله تعالى - النجاح في صناعة الإنسان.
هذا هو مدار
التربية وعلم النفس، فمتى وقفنا على هذا السر، أمكننا -
بإذن الله تعالى - فَهْم تركيبة الإنسان، وتفسير سلوكه،
وبالتالي علاج مشكلاته، بل صناعته صناعة صحيحة.
العالم اليوم
بأمس الحاجة إلى إتقان صناعة الإنسان، وأقرب طريق إلى
تحقيق هذا الأمر، هو الحفظ التربوي للقرآن والسنة، فهو
الطريق إلى صناعة الإنسان وتشكيله وصياغته وتغييره.
إن الألفاظ
يحصل لها تشويه أو تفريغ، فالتفريغ أن تفقد معناها،
فيسمعها السامع ولا تعني له أي شيء، وأما التشويه، فقد
يكون بتغيير معناها والتلاعب بدلالاتها.
نجد النبي -
صلى الله عليه وسلم - حين وصف الخوارج، ذكر اجتهادهم في
الصيام والصلاة، ولما جاء للأمر المهم الذي عليه مدار
صناعة الإنسان - وهو صناعة الكلمات - أكَّد فشَلهم فيه،
فقال: ((يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ
تَرَاقِيَهُمْ))، وفي لفظ حناجرهم؛ أي: قد اقتصروا على
الحفظ اللفظي للقرآن دون الحفظ التربوي.
بعض الناس
يقصر معنى (تعاهدوا هذا القرآن) على اللفظ دون المعنى،
والصحيح العموم، ولو كان مجال لقصره على أحدهما، لكان قصره
على المعنى أولى وأحرى.
اللفظ هو
الجسر الموصل إلى المعنى، والمعنى هو روح اللفظ وحياته،
فالنسبة بينهما كالنسبة بين جسد الإنسان ورُوحه.
ويقابل هؤلاء
طائفة أخرى ترى أنه يمكن تحصيل المعاني دون حفظ الألفاظ،
وهو مفهوم قاصر كسابقه، والصحيح أنه لا بد من الاثنين معًا
مضافًا إليهما العمل.
إن إحياء
النصوص يكون بحفظ ألفاظها، وحفظ معانيها، فحفظ الألفاظ دون
حفظ المعاني الحية، يجعل النصوص ميتة لا حراك فيها.
إنه بقدر
رصيدك من الكلمات الحية، وبقدر حياة كل منها، يتحدد مستواك
وتكون منزلتك، فمثلاً أحمد رصيده من المفردات الحية ألف
كلمة، وخالد رصيده مئتان، فأحمد أفضل من خالد، وإذا أراد
خالد أن يسبق أحمد، ويكون أعلى منه، فعليه أن يسعى حثيثًا
في زيادة رصيد مفرداته اللغوية الحية، وليعلم أن الأمر
يحتاج إلى جد واجتهاد.
هل أستطيع أن أعرف رصيدي من
المفردات اللغوية الحية؟ وكيف ذلك؟
نعم، يمكنك ذلك
والطريقة سهلة، وهي أن تقوم بقراءة النصوص التى ترى أنها
حية، فكل كلمة تحس لها في نفسك عمقًا ووعيًا وإدراكًا،
يتعدى حدود الحروف، ويُجبرك على الوقوف عندها طويلاً، فهي
حيَّة، وإلاَّ فلا.
هل يكفي إحياء الكلمة مرة
واحدة؟
الجواب: ما قُمت
بإحيائه من الكلمات، عليك بالمحافظة على حياته؛ ليستمر
عطاؤه، أما إن منعت عنه الطعام والشراب والحركة، فسيموت
بكل تأكيد.
إذًا، باختصار
الإنسان معجم لغوي، وبقدر ما يحتوي هذا المعجم من مفردات
حية، تكون قيمته.
لقد حان الوقت
أن تقف وتُفتش - وتقوم بجرد مخزونك اللغوي وتفقد محتوياته
وتَقييمها، كم المفردات الموجودة فيه؟
وما نسبة حياة كل منها؟
إن الذي ليس
في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرِب.
العلم هنا هو
المعاني التي نحبسها ونُقيدها داخل الألفاظ، ونعبر عنها
بالحروف التي تشاهدها العين، وتسمعها الأذن.
كم نص تقرؤه
أو تسمعه، فتفهم منه عددًا من المعاني المؤثرة، ثم لا تلبث
الأيام أن تمضي، فتعود إلى ذلك النص، فلا تفهم منه أي شيء
مما سبق، فما الذي حدث؟ الذي حدث أن النص قد مات لخروج
الروح منه، والروح هي المعنى، والمعنى شيء لا نراه ولا
نلمسه، إنما نصل إليه من خلال اللفظ حين تقترن به الروح،
تمامًا مثل روح الإنسان لا يمكن أن نَلمسها أو نراها، لكن
نتواصل معها من خلال الجسد؛ يقول الله تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا
دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ
تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24].
ما أعجب هذه
الآية! وما أدق دلالتها على هذه المسالة التي نحن بصدد
الحديث عنها!
ما هو الذي يحيينا؟
إنه كلمات
القرآن الكريم، فالذي يحيينا هو هذه الكلمات، هذه
المفردات، لكن ليس بألفاظها وحروفها فحسب، بل هناك ما وراء
الألفاظ، وهو رُوحها؛ أي: المعاني التي تفيض بها؛ ولهذا
فإن الله يُحذِّر عباده من سلْب الروح من تلك الألفاظ،
فيحول بين المرء وقلبه، اللفظ أمامه، لكنه لا يحرك فيه
ساكنًا، بينما شخص آخر بجواره يسمع ذات الألفاظ، فتسري
القُشَعْريرة في بدنه، وتفيض عينه بالدمع.
إن روح
الألفاظ بيد الله تعالى يُرسلها متى شاء، ويمسكها متى شاء
بحكمته وتدبيره، هل لتحصيل
هذه الروح وهذه الحياة من أسباب؟
الجواب: الطريق إلى
تحصيل حياة النصوص هو الحفظ التربوي بأركانه الثلاثة، ولا
يفهم أحد مما سبق أني أدعو إلى تفكيك الجمل والتعامل مع
الكلمات منفصلات؟ هذا غير صحيح، لكن بقدر قوة اللبنات التي
تشكل البناء تكون قوَّته.
حياة الإنسان
هو بحياة كلمات القرآن في نفسه، فقد جعله الله روحًا
ونورًا لروح الإنسان ونفسه؛ كما قال تعالى: ﴿
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا
الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا
نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ
لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى:
52].
لنستغل حياتنا
وأوقاتنا بإحياء آيات القرآن في نفوسنا، بدل الاشتغال بما
يستهلك الوقت، ويقل نفعه من أُطروحات الشرق والغرب.
احفظ؛ فكل
حافظ مؤمن، فالحفظ من أجل الإيمان، هذا هو مقصود الحفظ
التربوي، وهو المفهوم الصحيح الذي ينبغي أن نركز عليه،
فزيادة إيمانك يكون بزيادة مفردات القرآن الحية في نفسك،
وهل يحق لشخص بعد هذا البيان أن يقول: كيف أزيد إيماني؟
كيف أطور ذاتي؟ كيف أنجح في الحياة؟
أ. عطاف عيد
محمد المنسي، فقد كان من عادات المسلمين أن يبدؤوا بتعليم
الصغير القرآن قبل كل شيء، سئلت أعرابية مسلمة عن ابنٍ لها
كان عجيب المنظر، حسن الهيئة، فقالت: "إذا أتم خمس سنوات
أسلَمته إلى المؤدب، فحفظ القرآن فتلاه، فعلمه الشعر
فرواه، ورغب في مفاخرة قومه، وطلب مآثر آبائه وأجداده،
فلما بلغ الحلم حملته على أعناق الخيل، فتمرس وتفرَّس،
ولبِس السلاح".
واستدل العلماء على استحباب
تعليم الصغار القرآن الكريم بما يلي:
- النصوص
العامة في فضل تعلم القرآن وحفظه، ومنها: عن النبي - صلى
الله عليه وسلم - قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))،
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يجيء القرآن يوم القيامة،
فيقول: يا رب، حَلِّهِ، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا
رب، زِده، فيلبس حُلة الكرامة، ثم يقول: يا رب، ارضَ عنه،
فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارقَ، وتزاد بكل آية حسنة)).
ما جاء من
الأجر العظيم في تحفيظ الأولاد القرآن، ومنه: عن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من قرأ القرآن وعمِل
بما فيه، ألبس والده يوم القيامة تاجًا ضوءُه أحسنُ من ضوء
الشمس في بيوت الدنيا، وكانت فيه، فما ظنكم بالذي عمِل
به؟!)).
وفي رواية
أخرى: ((مَن قرأ القرآن وتعلَّمه، وعمِل به، ألبس يوم
القيامة تاجًا من نور، ضوءه مثل ضوء الشمس، ويُكْسَى
والداه حُلتان لا يقوم بهما الدنيا، فيقولان بما كسينا،
فيقال بأخذ ولدكما القرآن)).
وورد في
الأثر: "كان يقال: إن الله ليريد العذاب بأهل الأرض، فإذا
سمع تعليم الصبيان الحكمةَ، صرف ذلك عنهم، ويعني بالحكمة
القرآن".
• ما ورد عن بعض
الصحابة في حفظهم القرآن الكريم في سن الصغر: عن ابن عباس
- رضي الله عنه - قال: "توفي رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم"، وقد صح عن
ابن عباس - رضي الله عنه - أنه حفظ القـرآن وهو صغير، قال
ابن حجر: "وإنما يعلم الصغير القرآن وهو صغير؛ لأنه أدعى
لثبوته ورسوخه عنده؛ كما يقال: "التعلم في الصغر كالنقش
على الحجر".
ما ورد عن بعض العلماء من
اجتهادهم في حفظ القرآن وطلب العلم في الصغر:
قال الشافعي:
حفِظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت "الموطأ" وأنا ابن
عشر، وقال لقمان الحكيم لابنه: "يا بُني، ابتغِ العلم
صغيرًا؛ فإن ابتغاء العلم يشق على الكبير".
وقيل: إن
الأوزاعي كان يسأل الغلام الذي يأتيه يتعلم منه: يا غلام،
قرأت القرآن؟ فإن قال: نعم، قال: اقرأ: ﴿
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي
أَوْلَادِكُمْ ﴾ [النساء: 11]، وإن قال: لا، قال:
(اذهب تعلَّم القرآن قبل أن تطلب العلم)؛ لأن من تعلم
القرآن واتَّبع ما فيه، هداه من الضلالة، ووقاه يوم
القيامة سوء الحساب.
من فوائد تعلم الصغار
للقرآن الكريم:
• أنه يربط قلب
الصغير بالقرآن، ويُحببه فيه: "إذا ارتبط قلب الولد
بالقرآن، وفتح عينيه على آياته - فإنه لن يعرف مبدأ يعتقده
سوى مبادئ القرآن الكريم، ولا يعرف تشريعًا يستقي منه سوى
تشريع القرآن، ولا يعرف بلسمًا لرُوحه وشفاءً لنفسه، سوى
التخشع بآيات القرآن، فعندئذ يصل الأب إلى غايته المرجوة
في تكوين ولده الروحي وإعداده إيمانيًّا وخلقيًّا".
• أنه يتربى على
معاني القرآن الحقيقية، وليس فقط تجويده وإقامة حروفه.
• "التربية بالقرآن
غايتها القريبة: إتقان تلاوته، وحُسن فَهمه، وتطبيق
تعاليمه، وهذا فيه كل العبودية والطاعة لله، والاهتداء
بكلامه، والخوف منه، وتنفيذ أوامره والخشوع له؛ أي: إن
دروس القرآن لو حقَّقت غاياتها، لكانت من أفضل الوسائل
لتحقيق الهدف الأسمى للتربية الإسلامية، والأثر التربوي
لجميع أسس التربية الدينية".
ولا بد من مراعاة النقاط
التالية مجتمعةً، دون إخلال ببعضها حين تعليم الصغير
القرآن الكريم:
• أن يربي لسان
الناشئ ويقوِّمه بحُسن التجويد وعدم اللحن.
• أن يربي قلب
الناشئ بالخشوع عندما يمر بآية تستوجب الخشوع، أو الحنين
إلى الجنة، أو الشعور بمحبة الله.
• أن يربي سلوك
الناشئ بأخذ العهد عليه وتعهُّده ليعمل بتعاليم القرآن
الكريم.
أن يربي عقل
الناشئ بالاستدلال على ما استدل عليه القرآن في مخلوقات
الله، ويتأمل ما يدل على عظمة الله.
إن إهمال
تعليم الأطفال العلوم الشرعية والقرآن وآدابه منذ الصغر،
سببٌ من أسباب العقوق في الكبر، "ومن أهمل تعليم ولده ما
ينفعه وترَكه سدًى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر
الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك
تعليمهم فرائضَ الدين وسُننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم
ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا".
• تعويده حسن
الاستماع إلى تلاوته من المذياع أو من أحد أفراد الأسرة.
• السبل المثلى
لتدريس القرآن للصغار.
من خلال عملي
وتجاربي في مجال الأطفال، تبيَّن لي أنه يجب أن يكون
المسؤول عن متابعة الطفل في الحفظ لَمَّاحًا، فيركز على
الطريقة التي تناسب طفله، فيستخدم التشجيع تارة، والحزم
تارة أخرى، وأحيانًا يتركه ليَلهو عن الحفظ إذا كان
محتاجًا إليه؛ حتى لا يسأم أو يَمَلَّ من الحفظ.
ويمكن اتباع الآتي:
• استخدام الطريقة
غير المباشرة في تحفيظ الصغير، وذلك مثل استخدام جهاز
التسجيل مع شريط القرآن، ويوضع في البيت في غرفة نوم الطفل،
أو غرفة ألعابه؛ ليسمع الطفل الآيات دائمًا، وهو يلهو
بأشياءَ أخرى، وقد جربت بعض الأمهات استخدام جهاز
الكمبيوتر مع الأقراص المضغوطة للقرآن، فيسمع الطفل الآيات
مع تكريرها حسب ما يختار من خيارات، ثم يختار ما يشاء من
ألعاب الكمبيوتر، وقد جاءت هذه الطريقة بنتائج ممتازة جدًّا
مع الحفظ المتقن.
• نحتاج بعد استخدام
الطريقة السابقة شيء من التأكيد على الحفظ بالترديد مع
الطفل؛ حتى نتأكد من حفظه.
• نحتاج إلى التشجيع
المستمر، فكل نتيجة مهما كانت صغيرة، لا بد أن نبالغ في
دعم الثقة لدى الطفل.
• على الأم أو
المربية أن تختار طريقة التشجيع التي يحبها الطفل، يمكن أن
تستخدم: الكلمات الحسنة / الهدايا، مع ملاحظة ألا تكون
الهدية غالية وكبيرة الحجم، فقطعة من الحلوى أو مبلغ زهيد
من المال، قد يكفي حسب ما تراه الأم، ويجب أن يستخدم كل
ذلك بطريقة مجدية وفعالة، وإلا انقلب ضررًا على الطفل إذا
كان هناك إفراط أو مبالغة.
• يجب أن نلغي تمامًا
الضرب أو التهديد، أو الإيذاء النفسي، أو الكلام السيئ؛
لأنه يأتي بنتائج سلبية.
إحصائيات عام 1422هـ: عدد الحلقات: 1196 حلقة عدد الطلاب: 35599 طالبًا وطالبة عدد المدرسين: 1196 مدرس ومدرسة عدد الحفاظ.
إحصائيات عام
1423هـ: عدد الحلقات: 1157 حلقة عدد الطلاب: 33565 طالبًا
وطالبة عدد المدرسين: 1157 مدرس ومدرسة عدد الحفاظ.
إحصائيات عام
1424هـ: عدد الحلقات: 1508 حلقة عدد الطلاب: 28681 طالبًا
وطالبة عدد المدرسين: 1508 مدرس عدد الحفاظ.
إحصائيات عام
1425هـ: عدد الحلقات: 956 حلقة عدد الطلاب: 26487 طالبًا
وطالبة عدد المدرسين: 956 مدرس عدد الحفاظ: 2229 حافظًا
وحافظة.
إحصائيات عام
1426هـ: عدد الحلقات: 973 حلقة عدد الطلاب: 25913 طالبًا
وطالبة عدد المدرسين: 973 مدرس عدد الحفاظ: 2787 حافظًا
وحافظة.
|
0 التعليقات: