الثبات على التوحيد
الثبات
على التوحيد
|
|
الدكتور
عصام بن هاشم الجفري
|
الخطبة الأولى
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد،أحمده سبحانه وأشكره على نعمة التوحيد نعم لاتحصى ولا تعد،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل يقصد أو عليه يعتمد ، وأشهد أن نبينا وسيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله دعا إلى توحيد ربه وسواه ما عبد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج من بعدهم ولربه عبد.
أما
بعد:
فاتقوا الله عباد الله و ابشروا بثمار التقوى فربكم يقول :
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}(2).{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}([1]).
أيها الأحبة في الله إذا انقطع الضوء عن المصباح كيف يصير؟يصير قطعة
زجاج لا فائدة منها تحمل وتلقى في سلة المهملات ، وإذا انقطع التيار
الكهربائي عن أي جهاز كهربائي يصبح قطعة أثاث لا قيمة لها.وإذا فقدت
السيارة وقودها تصبح قطعة حديد لا منفعة منها ، وهكذا أيها الأحبة في
الله الإيمان للإنسان فمتى ما فقد الإنسان الإيمان كان دابة تدب على
الأرض لا قيمة لها مهما ملك من الدنيا وزخرفها ومخترعاتها وأموالها
واستمعوا للعليم الخبير ينبئكم عن ذلك بقوله
:{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ
مَثْوًى لَهُمْ}(3).وبقوله فيمن صم أذنه عن الإيمان :{ أَمْ تَحْسَبُ
أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ
بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}(4). وبقوله فيمن غفل عن الإيمان:{
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ
لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ
بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ
بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ}(5).
ولذا كان من دأب من خالط الإيمان بشاشة قلبه أن يقبل بالموت ولا يفرط
في إيمانه لأنه بالموت ينتقل من دار الهم والحزن والبلايا إلى دار
الراحة والنعيم المقيم الذي لا يزول ولا يحول ؛ فهذا إبراهيم عليه
السلام يوقد القوم له ناراً عظيمة تأجج ويوضع في المنجنيق ليقذف فيها
فما هان ولا لان ولا تراجع في دينه وما تزعزع إيمانه بربه،هؤلاء سحرة
فرعون جاء ليستعلي بهم على الإيمان فاستعلى الإيمان بهم على فرعون فما
تمالكوا أنفسهم أمام عظمة بعض الآيات الربانية إلا أن سجدوا معترفين
بالقدرة الإلهية واستمعوا معي إلى تلك الحوارات العظيمة يقصها لنا ربنا
في كتابه الخالد لتظل نبراساً لأهل الإيمان في الثبات على الدين :
{فَأُلْقِيَ
السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى()قَالَ
آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي
عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ
مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ
وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى()قَالُوا لَنْ
نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا
فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا()إِنَّا
آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا
عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِوَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى()إِنَّهُ مَنْ
يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا
وَلَا يَحْيَا()وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ
فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا()جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ
تَزَكَّى}(5).
الله أكبر هؤلاء سحرة حديثوا عهد بإيمان خالط الإيمان بشاشة قلوبهم فلم
يلينوا لتهديدات فرعون الطاغية الذي عرف بسفك الدماء ليقدموا للبشرية
نموذجاً من الثبات على الإيمان يفوق ثبات الجبال الراسيات ؛ فعجباً
لقوم عاشوا في الإيمان سنين وأياماً ولم يهددوا أو يعذبوا ليفرطوا في
دينهم ثم هم لم يصمدوا فضعفوا وفرطوا في دينهم مقابل شهوة عابرة أو
فتنة من فتن الدنيا،قولوا لأمثال هؤلاء هذا بلال يوضع على رمال مكة
الحارة وتوضع الصخرة العظيمة على صدره وتطلب منه كلمة واحدة تؤذي رسول
الله صلى الله عليه و سلم وأن يتزحزح عن التوحيد فيأبى إلا الثبات عليه
ويكرر على أسماعهم تلك الكلمة العظيمة التي تغيظهم أحد ..أحد..وغيره من
الصحابة قدموا نماذج فذة في هذا المجال، ويخبرنا الصادق المصدوق صلوات
ربي وسلامه عليه عن رجل رفض أن يقدم ذبابة لصنم جاهلي فضرب أهل الصنم
عنقه فدخل الجنة ، وقدم الآخر تلك الذبابة فخلوا سبيله فدخل النار، فهل
رأيتم أيها الأحبة حساسية أمر الثبات على الدين والتوحيد وأن التخلي
عنها بمقدار ذبابة قد يعني الهلاك. أيها الأحبة في الله إن أعداء
الإسلام لا يقتصروا في محاولة زحزحة المؤمنين عن دينهم على أسلوب
التهديد والإرهاب بل قد يلجئوا إلى محاولة الإغراء والفتنة بالماديات
وسيد من ثبت على دينه من البشر أمام الإغراء والإرهاب هو رسولنا صلى
الله عليه و سلم فقد حاولت قريش فتنته عن الدعوة للتوحيد بعروض مغرية
عرضوا عليه النساء وعرضوا عليه المال وعرضوا عليه الرئاسة والسلطان،ولكن
الداعي إلى الإيمان لايكون طالباً للدنيا ولا متأثراً بزخرفها فقال
صلوات ربي وسلامه عليه قولته المشهورة: ((والله ياعم لو وضعوا الشمس في
يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله
أو أهلك دونه))وليس الثبات على الإيمان شأن الرجال فقط بل حتى النساء
ضربن أروع الأمثلة في ذلك فهذه آسيا امرأة فرعون سمر زوجها المجرم يوم
أن علم بإيمانها يداها ورجلاها بالأوتاد في الأرض معرضة للشمس ووضع على
ظهرها الرحى ليردها عن دينها فإذا بها تخاطب ربها في يقين فتقول :{
رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ
فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(6).
فأكرمها الله وأراها بيتها وهو يبنى في الجنة وخلد ذكرها وثباتها على
إيمانها في كتابه إلى يوم القيامة(7). وهذه سمية أم عمار بن ياسر عذبت
فما تراجعت عن دينها حتى قتلت وهي ثابتة عليه ، يا أمة التوحيد والثبات
هذه أمم دينها باطل ومعتقدها فاسد تثبت وتضحي من أجل ذلك المعتقد وأنتم
يا خير أمة أخرجت للناس على الحق والهدى فما أحراكم بالثبات على دينكم
قولوا لكل من فرط في دينه من أجل شهوة عابرة أو فكرة خاطئة كيف تفرطوا
في الحق والنور الذي بين أيديكم وتلجوا في غياهب الظلمات قولوا لهم ألم
تسمعوا قول ربكم :
{أَوَمَنْ كَانَ
مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ
كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ
زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(7)،
قولوا لمن قام يمجد الكفر وأهله وتنظيماتهم وحياتهم و يتنقص الإسلام
وأهله وتشريعه ويصفها بالتخلف والتطرف والرجعية من الرجال والنساء أين
ثباتكم على الدين ألم تسمعوا إلى قول الذي خلقكم وصوركم وشرع لكم دينكم
يوم أن قال:{أَفَحُكْمَ
الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا
لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(8).أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ
قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}(9).
الخطبة الثانية إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن أعداء الملة والدين لا يطمعون في أن يزحزحوا أصحاب التوحيد عن دينهم وتوحيدهم إلا إذا كان أصحاب الدين في حالة ضعف وهم في حال قوة وهذا دأب الكافرين على مر الزمن،كما أن فكرهم ومقولتهم واحدة وأساليبهم على نهج واحد ألا وهو اللجوء للبطش والتنكيل بأبناء الدين ففرعون مع قومه ، وقصة أصحب الأخدود ، وقريش في كفرها مع رسولنا صلى الله عليه و سلم وهكذا بل هم حتى في محاوراتهم ينطلقون من فكر واحد وهو الفكر الشيطاني الخبيث؛فالعدوان والبطش الصهيوني بإخواننا في فلسطين ليس من أجل وطنهم ولا من أجل عروبتهم بل هو من أجل دينهم ، ولو تهود لا قدر الله إخواننا هناك لكانوا لهم أحباباً وفي المقابل فإن السبب وراء صمود إخواننا هناك هو تمسكهم بدينهم وهويتهم،وما فعله ويفعله الهندوس الملحدون في إخواننا المسلمين في الهند حيث حرقوا عدداً منهم أحياء ،هل هو لاختلاف وطنهم أو عرقهم؟لا.بل هو من أجل دينهم،وما حصل في البوسنة والهرسك،وما حصل ويحصل في الشيشان وفي الفلبين وفي إندنونسيا،وفي كشمير وغيرها من بلدان الإسلام : {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}(12).وما الحملة التي يشنونها علينا لتغيير مناهج تعليمنا المستمدة من قرآننا ونمط حياتنا المستمد أيضاً من قرآننا إلا هي نفس الدعوة السابقة التي دعا إليها أجداد الكفر :{ ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ}(10).فسبحان الله {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}(11).وقد أرشدنا ربنا للرد على تلك المقولة العظيمة وهو الرد الذي ينبغي أن يلتزمه أهل الإيمان ولا يفرطوا فيه:{قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(10). --------------------- ([1]) الطلاق:5.
(2)الطلاق:
(3)محمد:
12(4)الفرقان:44.
(5)الأعراف:179.(5)طه:70-76.
(6)التحريم:11.
(7)القرطبي،الجامع
لأحكام القرآن،ج18،ص132.(7)الأنعام:122.
(8)المائدة:50.
(9الأحزاب:23.
(10)يونس :15.
(11) الذاريات
(12) البروج:8.
|
0 التعليقات: