أهمية الإيمان

إن أفضل الأعمال عند الله وأزكاها هو الإيمان؛ لما رَوى أبو ذر رضى الله عنه من سؤاله لرسول الله ﷺ بقوله " يارسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال ﷺ: الإيمان بالله والجهاد في سبيله" (رواه مسلم) وهو سبب للهداية والسعادة الدنيوية والأخروية، لقوله جل وعز{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} [الأنعام: 125] والإيمان صارف للمؤمن عن المعصية، لقوله جل وعز{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201] الإيمان شَرط لقبول العمل، قال الله تعالى{ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] ،فالإيمان الخَالِص يُبارك الله به العمل، ويتقبل به الدعوات.



بلاغ عام





Image

أوصاف القرآن الكريم (1)



﴿ فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴾ [البينة: 3]


 الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

الحمد لله الغفور الوهاب، امتنَّ على المؤمنين بالهُدى والرَّشاد، وأقام حُجته على أهل الاستكبار والعناد، ونشر رحمته على العباد؛ ﴿ رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165]، نحمده على نِعَمه وآلائه، ونشكره على فضْله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل القرآن هدًى للناس، وبيِّناتٍ من الهدى والفرقان، وجعله شفاء لما في الصدور والأسقام، فانتفع به المؤمنون، وحاد عن سبيله المستكبرون؛ ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سيد الأولين والآخرين، وإمام المتقين والمرسلين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
 أما بعد:
فاتَّقوا الله ربَّكم، واغتنموا ما بقي من شهركم؛ فإنه عن قريب راحلٌ عنكم، وأنتم عن قريبٍ تُفارقون دنياكم لأخراكم، فتزوَّدوا من الأعمال الصالحة ما يكون أنيسًا لكم في قبوركم، وشفيعًا لكم عند عرضكم على ربكم؛ ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقَّة: 18].
 أيها الناس:
أنزل الله تعالى القرآنَ حياةً لقلوب الناس، وهداية لهم، أغنى الله - تبارك وتعالى - به المؤمنين عن فلسفات العقول وتخبطها فيما يتعلَّق بالمبدأ والمعاد، والحكمة من الخلق، يقرؤه المؤمنُ فيعلَم أن الله سبحانه مدبِّر الأمر، وخالقُ الخلق، وآمِرُهم بعبادته، وأنهم إليه راجعون، وعلى أعمالهم محاسبون، فيجتهد الواحد منهم في العمل الصالح؛ لنيلِ رضا الله تعالى وجنته، وإذا غفل أو نسي ذكَّرتْه الآيات، فكان هذا القرآن هدايةً للمؤمنين؛ ﴿ ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2].
 وإنما كان القرآن هدى للناس؛ لأنه كلام العليم الحكيم الذي وسع كل شيء رحمة وعلمًا؛ ﴿ رَسُولٌ مِنَ الله يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴾ [البيِّنة: 2، 3]، والرسول هو محمد - صلى الله عليه وسلم - والصحفُ هي القرآن الذي أُنزل عليه، والكتب القيمة التي فيه هي آياتُه وأحكامه المتضمنةُ لأحسن ما في الكتب المنزلة؛ فإن القرآن قد حواها وزاد عليها، فكان أحسنَ الحديث؛ ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ﴾ [الزُّمر: 23]، وقصصُه أحسنَ القصص؛ ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ ﴾ [يوسف: 3].
 والكتب القيِّمة هي المستقيمةُ التي لا عوجَ فيها، فمن اتَّبَعها فهو على الحق، وهذا هو وصف القرآن كما في سورة الكهف: ﴿ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ﴾ [الكهف: 1، 2]، فهو كتاب لا اعوجاج فيه ألبتة، لا من جهة الألفاظ، ولا من جهة المعاني؛ أخبارُه كلُّها صِدْقٌ، وأحكامُه كلها عدْل، سالمٌ من العيوب في ألفاظه ومعانيه، وأخباره وأحكامه؛ لأن قوله: ﴿ عوجًا ﴾ [الكهف: 1] نكرة في سياق النفي، فهي تعمُّ نفيَ جميع أنواع العوج، وقد وصفه الله تعالى في موضع آخر بقوله سبحانه: ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ﴾ [الزُّمر: 28]، وقد جمع الله تعالى وصف القرآن بأنه صِدق وعدْل في قوله سبحانه: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ﴾ [الأنعام: 115]، والقرآن كلمة الله تعالى.
 إنَّ نفي العوج عن القرآن يقتضي أنه ليس في أخباره كذبٌ، ولا في أوامره ونواهيه ظلمٌ ولا عبث، وإثباتُ الاستقامة يقتضي أنه لا يخبر ولا يأمر إلا بأجلِّ الأخبار وأهمها، وهي التي تملأ القلوبَ معرفةً وإيمانًا وحكمة، كالإخبار بأسماء الله سبحانه وصفاته وأفعاله، والمبدأِ والمعاد، وأوامرُه ونواهيه تزكِّي النفوس وتطهرها، وتنمِّيها وتكملها؛ لاشتمالها على كمال العدل والقسط، والإخلاص والعبودية لله رب العالمين وحده لا شريك له.
 ولذا كانت هداية القرآن هي لأحسن الدين، وأحسن الأقوال، وأحسن الأفعال؛ ﴿ إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9]، فهو يَهدي للتي هي أقوم في كل شيء من أمور الدين والدنيا، وفي كل مجال من مجالات العلم والعمل والاعتقاد.
 إن القرآن جاءنا بالإسلام ودلَّنا عليه، فهو وعاء الإسلام، ولأن القرآن قيِّمٌ ولا عوج فيه؛ فإن ما تضمنه من الدين وهو دين الإسلام لا بدَّ أن يكون قَيِّمًا ولا عوج فيه، وهذا هو وصف الإسلام في القرآن؛ إذ خوطب النبي صلى الله عليه وسلم بقول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا ﴾ [الأنعام: 161]؛ أي: دينًا مستقيمًا لا عوج فيه، وفي آية أخرى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ ﴾ [الرُّوم: 30]، وفي آية أخرى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ القَيِّمِ ﴾ [الرُّوم: 43]، وقد تكرر في القرآن وصفُ دين الإسلام بأنه قيم؛ لأنه من عند الله تعالى الذي أنزله في قرآن عربي غير ذي عوج؛ ولذا قال سبحانه عن كفار أهل الكتاب ومشركي قريش: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ ﴾ [البيِّنة: 5]؛ أي: إن دين الإسلام الذي أُمِروا به، ودُعُوا إليه، دينٌ قَيِّم لا عوج فيه.
 ومن عارَضَ الإسلامَ أو حادَ عنه، فقد حاد عن الصراط المستقيم، وسلك سُبُلَ العَوَج والضلال، وهذا ما عابه الله سبحانه على كفار أهل الكتاب بقوله سبحانه: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [آل عمران: 99].
 ووصف سبحانه به عمومَ الكفار، وتوعَّدهم عليه في قوله عز وجل: ﴿ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 2، 3].
 واستحقَّ أهلُ العوج والصدِّ عن سبيل الله تعالى لعنةَ الله تعالى وغضبَه بسبب أفعالهم؛ ﴿ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ [هود: 18، 19].
 إن كل معارضة للقرآن، أو مراغمة لدين الإسلام، فهي من العَوَج ومن الصد عن سبيل الله سبحانه لأن أصحابها استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وطرحوا دين القيمة، والكتب القيمة، والقرآن الذي هو قيم ولا عوج فيه، إلى أفكار غير قيمة، وأقوال عوجاء لا تهدي ضالاًّ، ولا تدلُّ حائرًا، ولا تزيل مشكلاً، ولا تحلُّ معضلاً.
 إن أكثر تخبطات البشر من الملاحدة والمشركين، وكفار أهل الكتاب، والزنادقة والمنافقين، والمبتدعة وأهل الأهواء، إنما كانت بسبب الأفكار والمذاهب العوجاء التي صدَّتْهم عن سبيل الله سبحانه وأوردتْهم المهالك، وأورثتْهم الشقاءَ في دنياهم، والعذابَ في أخراهم؛ ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].
 وإن كل محاولة للوحدة بين الإسلام وغيره من الأديان، أو دعوى المساواة بين الحق والباطل، فهي محاولة للجمع بين مذاهب أهل العَوَج وبين دين القيمة، ومساواة الأقوال المعوجة بالكتب القيمة، وهذه الآية تردُّ ذلك؛ إذ لا حقَّ ولا صواب إلا ما جاء به الكتابُ القيم، وكلُّ ما عارَضَه فهو باطلٌ وخطأ، ولا يجتمع الحق والباطل، ولا يستويان؛ كما لا يجتمع النور والظلمة ولا يستويان؛ ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ﴾ [المائدة: 100]، ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ ﴾ [فاطر: 19]، ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلَا الأَمْوَاتُ ﴾ [فاطر: 22]، ﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الجَنَّةِ ﴾ [الحشر: 20].
 جعلنا الله تعالى من أهل الحق والرشاد، وجنَّبنا سبل العوج والضلال، وثبَّتنا على دين القيمة، إنه سميع مجيب.
 وأقول ما تسمعون، وأستغفر الله سبحانه لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أمْن إلا للمؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
 أيها المسلمون:
الانحراف عن دين الله تعالى والحيدة عن منهجه، ومعارضةُ ما جاء في كتابه سببٌ للعَوَج والضلال، وفسادِ الأمر في الحال والمآل، وكل ما ابتُليتْ به البشرية من أنواع الانحرافات في كافة المجالات، فبسبب بُعدها عن القرآن الذي لا عوج فيه: إما جهلاً به، وإما اتباعًا للهوى؛ ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ [القصص: 50].
 ولم يَسلم من العوج بسبب الانحراف عن كتاب الله تعالى كثيرٌ من أهل الإسلام، ويكون عوجهم بحسب بُعدهم عن القرآن؛ بل لم يسلم من ذلك أهلُ القبلة؛ فمنهم من وقع في البدعة، ومنهم من قارف المعصية، وهذا من العوج عن الدين القيم، وعن الكتب القيمة التي في القرآن الكريم، وبدعةُ تكفير من لا يستحق التكفير من المسلمين، وما يتبعها من استباحة الخروج على السلاطين، وسفك الدماء المعصومة، والتخريب في بلاد المسلمين، وزعزعة أمنهم، وإثارة الخوف فيهم كلُّ ذلك من سُبُل العوج التي ركبها بعضُ أبناء المسلمين؛ جهلاً أو هوى - نعوذ بالله تعالى من الجهل والهوى.
 وكانت الحادثة الأخيرة من أبشع أعمالهم في ميزان الدين والأخلاق؛ إذ زادتْ على مثيلاتها بالغدر بعد العهد، وبالخيانة بعد التأمين، والله لا يحب الخائنين، ولا يهدي كيدهم؛ فباء فعلُهم الشنيع بالفشل الذريع، والفضل لله تعالى وحده.
 إن المُؤَمِّنَ لو خان، والمُعَاهِدَ لو غَدَرَ، لكان ذلك عظيمًا عند الله تعالى وعند الناس، فكيف إذا كان مستجدي الأمان هو الخائن، وطالب العهد هو الغادر؟! لا شك أن ذلك أعظمُ جرمًا، وأشدُّ قبحًا، وأكثرُ عوجًا عن الحق، والحكماءُ يقولون: إذا ذهب الوفاء نزل البلاء، وإذا مات الاعتصام عاش الانتقام، وإذا ظهرت الخيانات قلَّت البركات.
 والعرب في جاهليتهم كانوا أهل وفاء، وكانوا يعيبون الغدرَ، ويفرُّون منه، ولو ذهبتْ أموالهم، وسُفكت دماؤهم في سبيله.
 وضع ملك الحيرة النعمانُ بن المنذر يومَ سَعْدٍ يكافئ فيه، ويومَ بؤسٍ يقتل أول من يمر عليه فيه، فمرَّ أعرابي من طيئ في يوم البؤس؛ فحق عليه القتل، فطلب الإمهال ليوصيَ بصبيته الصغار، فخاف النعمان فِراره، فضمنه كاتبُ النعمان شريكُ بن عمرو، على أن يكون مكانه في القتل لو لم يعد في نفس اليوم بعد حولٍ، فلما كان الأجل المضروب عاد الطائي للقتل؛ وفاء بالعهد، وصدقًا في الوعد، فقال له النعمان: ما حملك على المجيء وأنت تعلم أني أقتلك؟ قال: خفتُ أن يقال: ذهب الوفاء، فالتفت إلى كاتبه وقال له: ما حملك على أن تضمن من لا تعرف وأنت تعلم أنه إن لم يعد قتلتُك؟ قال: خفت أن يقال: ذهب الكرم، فقال النعمان: والله ما رأيت أكرم منكما، وما أدري أيكما أكرم: أهذا الذي ضَمِنك وهو الموت، أم أنت وقد رجعت إلى القتل؟ والله لا أكون ألأم الثلاثة، ثم قال: وأنا أيضًا أخاف أن يقال: ذهب العفو، خلُّوا سبيله، فأطلقه وأمر برفع يوم بؤسه.
 هكذا كان العرب في جاهليتهم، فلما جاء الله تعالى بالإسلام، وأنزل القرآن، عزز الوفاء والأداء، وغلظ في الخيانة والغدر، حتى عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم صفاتِ المنافق، فذَكَر منها: ((إذا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذا اؤتمن خَان))؛ رواه الشيخان، فكيف بمن اتَّخذ الغدرَ والخيانةَ دينًا ومنهجًا؛ ليسفك الدماء، وينشر الدمار والخراب في أوساط المسلمين؟!
 إن هذا السبيل الأعوج يخالف طريقَ القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم، وإن هذا المنهج الفاسد الخاطئ لَيدلُّ أن الشبهة في الدين تفتك بالقلوب، وتؤدِّي إلى إتلاف النفوس، ودخولُ الفتنة ليس كالخروج منها، فالإنسانُ بالخيار ما لم يلجْ بابَ الفتنة، وهو أمير نفسه، فإذا دخلها فقد سلَّم قياد نفسه لغيرها، ودخل نفقًا مظلمًا لا يدري ما نهايتُه، وربما مع بلائه لنفسه وأهله وإخوانه يقع في كبيرات الذنوب، وعظائم الموبقات، كسفكِ الدماء المحرَّمة، وإتلاف الأموال المحترمة، والله تعالى يقول: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يَزَالُ المُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ من دِينِهِ ما لم يُصِبْ دَمًا حَرَامًا))؛ رواه البخاري، وهو مع ذلك كله يشقُّ عصا الطاعة، ويفارق الجماعة، فيموت على الجاهلية؛ كما في حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من رَأَى من أَمِيرِهِ شيئًا يَكْرَهُهُ، فَلْيَصْبِرْ عليه؛ فإنه من فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إلا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً))؛ متفق عليه.
 نعوذ بالله سبحانه من الأهواء والشبهات، ونسأله سبحانه أن يسلك بنا سبيل القرآن، وأن يجنِّبنا طرق الاعوجاج والضلال، إنه سميع مجيب.
 اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.

تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المدونة وشكرا

0 التعليقات:

آخر المواضيع



أذكر الله



تابعني في Google+

قصص الأنبياء والرسل





الخلفاء الراشدين

المقدمة

 لحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد بن عبد الله خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين، وبعد: تتناول هذه الدراسة موضوعًا شائكًا في التاريخ الإسلامي المبكر، يعد من أهم الموضوعات في مجال البحث العلمي >>>>>>>>

أبو بكر الصديق رضي الله عنه

هو عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن كعب التيمي القرشي ، ولد بمكة ونشأ سيداً من سادات قريش ومحيطاً بأنساب القبائل وأخبارها . وكانت العرب تلقبه بعالم قريش ، حرم على نفسه الخمر في الجاهلية فلم يشربها . اشتغل بالتجارة وجمع ثروة كبيرة صار بها من أثرياء قريش

   الجزء 1  الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5

عمر بن الخطاب رضي الله عنه

هو أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل القرشى العدوي . ثانى الخلفاء الراشدين وأول من لقب بأمير المؤمنين . كان فى الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم وله السفارة فيهم ، ينافر عنهم وينذر من أرادوا إنذاره. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو قائلاً : اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك ( عمر بن الخطاب أو أبى جهل )

  الجزء 1  الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7

عثمان بن عفان رضي الله عنه

هو أبو عبد الله عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية القرشى الأموى أمير المؤمنين . ذو النورين ثالث الخلفاء الراشدين وأحد المبشرين بالجنة ورابع من دخل فى الإسلام . زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته رقية ، وهاجرت معه إلى الحبشة الهجرتين ثم عاد إلى مكة وهاجر إلى المدينة .

الجزء 1  الجزء 2 الجزء3 

على بن أبى طالب رضي الله عنه

هو أبو الحسن علي بن أبى طالب بن عبد المطلب الهاشمى القرشى . أمير المؤمنين ، رابع الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة وابن عم النبى صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة الزهراء ووالد الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة

  الجزء 1  الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5



الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى

الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى
يقول الأستاذ الدكتور/ وهبة الزحيلي: ولقد بدأت نواة المذاهب في عصر الصحابة.... فكان - مثلاً - مذهب عائشة،

الامام مالك بن أنس رحمه الله
اجتمعت الأسرة الصغيرة ذات مساء. كما تعودت بعد كل صلاة عشاء. تتذاكر أمور الحياة والدين فيحكي الأب عما صادفه وجه النهار في متجره الصغيرة الذي يبيع فيه الحرير، وعما

الإمام الشافعي رحمه الله
على الرغم من أن الإمام الشافعي لم يكن قاضيا في مصر قط، فإن أهل مصر يسمونه "قاضي الشريعة" .. ومازال العديد من أصحاب الحاجات الذين لم ينالوا حظا من التعليم

الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله
صامت يطيل السكوت والتأمل، حزين يكاد لا يبتسم، وفي وجهه مع ذلك البشاشة وعلى قسامته الرضا، لا يتكلم إلا إذا سئل فلا يبتدر أحدا بحديث .. حتى إذا جلس

الإمام أبو حنيفة النعمان رحمه الله
فالإمام أبو حنيفة النعمان قيل عنه: ((من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عالة على أبي حنيفة)) يعني أنّ أبا حنيفة يقع في قمة الفقهاء، ليس غريباً: أن نرى أن مذهبه انتشر

الإمام أبو حنيفة النعمان رحمه الله
فالإمام أبو حنيفة النعمان قيل عنه: ((من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عالة على أبي حنيفة)) يعني أنّ أبا حنيفة يقع في قمة الفقهاء، ليس غريباً: أن نرى أن مذهبه انتشر