خصائص القرآن الكريم وحقوقه
خصائص
القرآن الكريم وحقوقه
|
|
علي بن
عبدالعزيز الراجحي
|
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عندما نتحدث عن القرآن ، فلابد أن نستشعر أنه ليس كلام بشر ، بل هو كلام الله، المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، المتعبد بتلاوته ، الذي أعجز البشر أن يأتوا بمثله ، بل ولا بسورة من مثله ، أنزل إليها ليكون منهاج حياتنا ، وطريق عزّنا ، وسبيل رفعتنا وجدنا ، إن تمسكنا به هدينا ونصرنا ، وإن فرّطنا فيه خذلنا وهزمنا . خصائص القرآن : للقرآن خصائص كثيرة ، منها : 1 ـ أنه محفوظ من التحريف والضياع ، والزيادة والنقصان ، وذلك لأن الله تعالى تولّى حفظه بنفسه فقال تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ، (سورة الحجر آية 9) فهيّأ له أسباباً للحفظ ، منها : ( أ ) الأمة المعتادة على الحفظ، فقد كان الحفظ معروفاً في العرب، فهم يحفظون القصائد الطوال حين يسمعونها لأول مرة، ويحفظون الخطب الطويلة كذلك. ( ب ) هيّأ علماء حفاظاً مجتهدين في حفظه ، ويعلّمونه أولادهم وتلاميذهم ، ويتدارسونه ، ويكتبونه وينقله الآخر عن الأول بالأسانيد المتصلة ، ولذلك تجد أئمة القراء كثير ، من عهد الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إلى عصرنا هذا . ( ج ) جعله سهلاً ميسّراً للحفظ . وأنت ترى حفّاظ القرآن الكريم في العالم بالآلاف بل أكثر، في حين أنك لا ترى أحداً من المنتمين للأديان الأخرى يحفظ الكتاب المقدس عندهم. ولم يتولّ الله تعالى حفظ الكتب السابقة ، بل وكلها لأصحـابها ، كما قال تعالى : ( والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله ) . ( سورة المائدة آية 44) من الحكم في حفظ القرآن الكريم : ( أ ) أنه آخر كتاب يحمل آخر رسالة تبقى إلى قيام الساعة. ( ب ) أنه المعجزة الكبرى للرسول صلى الله عليه وسلم ، فهو معجزة باقية للأجيال ، قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ) . (رواه البخاري برقم 4981، ومسلم برقم 152 ) 2 ـ من خصائص القرآن الكريم : أنه خاتم الكتب السماوية والمهيمن عليها : قال تعالى : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ) ،(سورة المائدة آية 48) والمعنى أنه شامل لما فيها وزائد عليها وشاهد وحاكم عليها ، فما وافقه فهو حق ، وما خالفه فهو إما منسوخ أو باطل باعتباره محرفاً ، وهو حافظ لما فيها من أصول الشرائع ، وعال عليها وغالب ، وناسخ لغير المحكم فيها ، فهو أكمل الكتب السماوية وخاتمها . 3 ـ إعجازه والتحدي به : قال تعالى : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ) . (سورة الإسراء آية 88 ) 4 ـ أن بكل حرف منه حسنة : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول " ألم" حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف ) . (رواه الترمذي رقم 2910 وقال الترمذي حديث حسن صحيح ) 5 ـ تيسيره وسهولته ، فحفظه سهل ، وقراءته سهلة يسيرة ، قال تعالى : ( ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر ) . (سورة القمر آية 17) 6 ـ جماله وبلاغته . وعظمه أسلوبه فهو يورد المعاني الكبيرة بعبارات موجزة. 7 ـ عدم الملل من تكرار تلاوته وترديده . هجر القرآن : وقبل أن نتعرف على حقّ القرآن الكريم ، فإن عليها أن نعرف معنى هجره ، لنحذره ونجتنبه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشتكى إلى ربه من هجر قومه للقرآن ، فقال فيما ذكر الله تعالى عنه : ( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرءان مهجوراً ) . (سورة الفرقان آية 30) وهجر القرآن أنواع ، منها : 1 ـ هجر الإيمان به وتصديق ما فيه . 2 ـ هجر سماعه والإصغار إليه . 3 ـ هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه . 4 ـ هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه . 5 ـ هجر تدبره وفهمه . 6 ـ هجر الاستشفاء والتداوي به . 7 ـ هجر قراءته والعدول عنه إلى غيره من شعر ، أو قول أو غناء . من حق القرآن : ـ 1 ـ الإيمان به ، وبكل ما جاء فيه وأنه كلام الله المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بأنه محفوظ لا يتطرق إليك أدنى شك في ذلك ، قال تعالى : ( يأيها الذين ءامنوا باله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر فقد ضل ضلالاً بعيداً ) . (سورة النساء آية 136) والإيمان به من أركان الإيمان كما في حديث جبريل عليه السلام . 2 ـ قراءته وحفظه : قال صلى الله عليه وسلم : ( أقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" (رواه مسلم برقم 804) وقال أيضاً : " يقال لصاحب القرآن : أقرأ وأرتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ) . (رواه أبوداود برقم 1464 والترمذي برقم 2914 وقال الترمذي حسن صحيح) وينبغي أن يرتل القارئ ويجوده كما أمر الله تعالى بذلك ، فقال : ( ورتل القرءان ترتيلاً ) . ( سورة المزمل آية 4) وينبغي أبن يكون للمسلم ورد يومي يتلو فيه كتاب الله تعالى حتى يختمه ، وليحرص أن يختمه كل شهر مرة أو أكثر ، ولا ينشغل عن قراءته بما لا ينفع . وليحرص المسلم على حفظه ، أو حفظ ما تيسر منه ، قال تعالى واصفاً القرآن : ( بل هو ءايات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ) ،( سورة العنكبوت آية 49) فوصف الحفاظ بأنهم من أهل العلم ، وحفظه سنة أئمة الدين ، من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم إلى يومنا هذا . وليحرص المسلم على ترديد ما حفظ من القرآن في قيامه وقعوده ، وذهابه وإيابه، فإن ذلك أعظم لأجره ، وأكثر لحسناته ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لا حسد إلا في اثنتين : رجل علّمه الله القرآن ، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار ) . (رواه البخاري برقم 5026 ) وينبغي للحافظ مراجعته وتعاهد قراءته حتى لا يتفلت منه ، قال صلى الله عليه وسلم : ( تعاهدوا القرآن ، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها ) . (رواه البخاري برقم 5033 ومسلم برقم 791) والعقل : جمع عقال ، وهو ما يربط به البعير . 3 ـ العمل به : قال تعالى : ( واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ) (سورة الزمر آية 55) وقال : ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ) (سورة الأنعام آية 155) وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول من يعمل بالقرآن ، سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت للسائل : ألست تقرأ القرآن ؟ قال : بلى ، قالت : فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن .(رواه مسلم برقم 746) قال ابن مسعود رضي الله عنه : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن . وقال أبو عبد الرحمن السلمي ( عبد الله بن حبيب ) : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا : أنهم كانوا يستقرؤون من النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل ، فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً . 4 ـ تعلمه وتعليمه : عن عثمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"(خيركم من تعلم القرآن وعلّمه ) . (رواه البخاري برقم 5027 )فينبغي أن يحرص المسلم على تعلمه وإتقان قراءته ، ويجتهد في ذلك ، فمن غير اللائق لمسلم له سنوات طويلة وهو يدرس ويتعلم ، ثم إذا قرأ القرآن فإذا به لا يقيم حروفه وكلماته ، وليس حاله كحال من يعذر لضعف تعليمه . ومن وسائل تعلّمه وإتقانه : قراءته على أحد المقرئين ، وكثرة الاستماع إليه ، واستشعار أنه كلام الخالق جل وعلا ، وغير ذلك . 5 ـ تدبره وتفهمه ،والخشوع والبكاء عند قراءته : قال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرءان ) (سورة محمد آية 24)، وقال سبحانه : ( ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر ) ،(سورة القمر آية 17 ) وقال سبحانه : ( ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً ) . (سورة الإسراء آية 109 ) فالأولى أن يقرأ على تمهل وتفهم ، فإن القرآن كتاب هداية ، وكيف يهتدي به من لا يفهمه ، وإن أشكل عليه شيء رجع لتفسيره ، وليجمع همته عند القراءة حتى يستحضر ذلك بقلبه ، ويتأمل ما فيه من آيات التهديد والوعيد ، والرجاء والرحمة ، وأحوال الماضين ، وغير ذلك . قال ابن مسعود رضي الله عنه : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : (أقرأ عليّ)، قلت : يا رسول الله ، أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : " نعم " ، فقرأت سورة النساء حتى أتيت على هذه الآية : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ) ،(سورة النساء آية 41) قال : " حسبك الآن " فالتفت فإذا عيناه تذرفان) . (رواه البخاري برقم 5050 ومسلم برقم 800) 6 ـ الإنصات عند سماعه : قال تعالى : ( وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) . (سورة الأعراف آية 204) والآية تدل بعمومها على مشروعية الاستماع للقرآن إذا تلي ، والإنصات ، وهو : السكوت عند الاستماع . 7 ـ التزام الأدب معه : فلا يمس القرآن إلا طاهر ، ولا يقرؤه من عليه حدث أكبر حتى يغتسل ، ولا يهان في حمله ووضعه ، وإذا حمله أو ناوله شخصاً فبيده اليمنى ، ولا يرميه ، ويحافظ عليه ولا يمزقه ، أو يكتب عليه ما لا حاجة له به ، وإذا تمزق فلا يجوز رميه بل يحرقه ويدفنه في موضع طيب . ويجعله أعلى من غيره ، ولا يتكئ عليه ، ولا يجلس على شيء فيه مصحف كالحقيبة والمكتب ، كل هذا احتراماً لكتاب الله تعالى ، والتزاماً للأدب معه . ومسك الختام الله أسال للجميع العلم النافع والعمل الصالح نقل بتصرف وتعديل |
0 التعليقات: