الذكتور محمد راتب النابلسي
|
بسم الله الرحمن الرحيم
نكران الذنب
على صاحبه
بادئ ذي بدء
هناك معانٍ دقيقة ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام تتعلق
بإنسان لم يرتكب ذنباً، ولكن أخاه ارتكب الذنب، فقال عليه
الصلاة والسلام:
الذنب شؤم
على غير فاعله، إن عيّره ابتلي به، وإن اغتابه أثم، وإن رضي به
شاركه
[أخرجه
الديلمي في مسند الفردوس عن أنس]
وأنت لم
تفعل الذنب، لكن أخاك الذي فعل الذنب، لو أنك قلت: فلان فعل
كذا! أيجوز أن يفعل! إذا شهرت به، وطعنت في استقامته، وجعلته
مضغة في الأفواه، فأنت قد اغتبته بهذه الطريقة، فجاءك من ذنبه
شؤم، أما إذا قلت: والله فعل ما ينبغي أن يفعل فقد رضيت له
الذنب، وقد قال العلماء: لو غبت عن معصية فرضيتها كنت كمن
شهدها، فلم تنكرها، لو أن معصية وقعت في أمريكا أو في الصين أو
في اليابان، وقلت: نِعمَ ما فعل فأنت رضيت بها، وكأنك شهدتها،
ولم تنكرها، فمن غاب عن الذنب ورضيه كان كمن شهده، ومن شهد
ذنباً فأنكره كان كمن غاب عنه، فحينما ترضى بالذنب تكون قد
شاركت صاحبه في الإثم إذاً ما لك من الشؤم، وحينما تعيره تبتلى
به، أين عقله ؟ كيف فعل هذا؟ اشكر الله عز وجل أنه نجاك من هذا
الذنب، القصة أنك ينبغي أن توحد.
تفسير لا
حول ولا قوة إلا بالله
من أدق ما
قرأت في بعض الأحاديث :
ألا أخبرك
بتفسير لا حول ولا قوة إلا بالله؟ لا حول عن معصية الله إلا
بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله
[أخرجه ابن
النجار عن ابن مسعود]
ألا نقول
نحن في الفاتحة كل يوم في أثناء صلواتنا:
(إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
ألم يقل
سيدنا يوسف عليه السلام:
(وَإِلَّا
تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ)
[سورة يوسف
الآية : 33]
إذاً لا حول
عن معصيته إلا به، ولا قوة على طاعته إلا به.
التستر على
ذنوب الناس
فأنت حينما ترى أخاك قد أذنب ينبغي ألا تفضحه، ينبغي أن تستره،
ينبغي أن تتخلق بكمال الله، الله من اسمه الستِّير، ينبغي أن
تنصحه بينك وبينه، لا على ملإ من الناس وحينما يرتكب أخوك
ذنباً فينبغي ألا ترضى به، إن رضيت به شاركته في الإثم، لو أنه
كسب مالاً حرامًا فلا ينبغي أن تقول: نِعمَ ما فعل، هذا كلام
في تضيع للحق، أن تستنكره، لا أن ترضى بعمله، ولو أنه ارتكب
ذنباً فعيّرته، واحتقرته، كيف تفعل هذا؟ أنت معصوم؟ أسال الله
عز وجل أن يحفظك من هذا.
لذلك:
الذنب شؤم
على غير فاعله، إن عيره ابتلي به، وإن اغتابه أثم، وإن رضي به
شاركه
فكيف بصاحب
الذنب الذي وقع في الذنب إذا كان للذنب مضاعفات لمن لم يرتكب
الذنب، فكيف بالذي ارتكبه؟ الظلم ظلمات يوم القيامة، هذه
حقيقة، فنحن حينما نرى أخاً لنا قد أذنب أول شيء ينبغي أفعله
أن أتوجه إليه على انفراد ناصحاً له بكل معاني الرقة واللطف.
سيدنا عمر بلغه أن أحد أصحابه شرب الخمر وسافر إلى الشام، أرسل
له كتابًا فيه: “أما بعد؛ فإني أحمد الله إليك، غافر الذنب،
قابل التوب، شديد العقاب، فقرأ صاحبه الكتاب وصار يبكي، حتى
حمله هذا الكتاب على التوبة، فقال رضي الله عنه: هكذا اصنعوا
بأخيكم إذا ضل، لا تكونوا عوناً للشيطان عليه، ولكن كونوا
عوناً له على الشيطان”.
النصيحة لا
الفضيحة
فأنا أول
مهمة لي إن رأيت أخي قد أذنب أنصحه فيما بيني وبينه، والنصيحة
شيء، والفضيحة شيء آخر، هذا الموقف الأول، مقابل من ذكره فقد
اغتابه، الموقف الكامل الثاني أنا لا أقره على ذنبه، أنا أرى
أن هذا خطأ كبير، هؤلاء الذين رأوا قارون بماله وملكه قالوا :
(يَا لَيْتَ
لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ
ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً)
[سورة القصص
الآية: 79 ـ 80]
إذاً أنا لا
ينبغي أن أقره على ذنبه، ينبغي أن أنصحه، وهنا يحضرني تعريف
دقيق للعاطفة العميقة والسطحية، أنت إذا دخلت إلى بيت، وكان
دخْلُ صاحب هذا البيت من مال حرام، عنده ملهى، أو عنده تجارة
مخدرات ـ لا سمح الله ولا قدر ـ هل تحترمه على بيته الفخم،
وعلى أثاثه الرائع؟ لا، العاطفة السطحية أن أحترمه لفخامة
بيته، والعاطفة العميقة أن أحتقره، لأن كسبه حرام، وهذا مبني
على شقاء الآخرين، فأنا حينما أرى إنسانًا يرتكب ذنبًا، وهو في
مكانة علية فلا ينبغي أن أوقره على هذه المكانة، لأن الذنب سوف
يجعله عند الله من الساقطين .
من عير
ابتلي
الموقف الثالث: فمن عيّره ابتلي به، لا ينبغي أن أعيره، ينبغي
أن أتوجه إلى الله أن يحفظني من هذا الذنب، فهناك أذكى مني
يرتكب أكبر الذنوب، وهناك إنسان له ثقافة دينة يرتكب الذنب،
فأنا حينما أرى إنسانًا ارتكب الذنب أتوجه إلى الله عز وجل أن
يحفظني من هذا الذنب، إذاً أنا أنصحه فيما بيني وبينه، ولا
أقره عليه، ولا أوقره على ما كان من دنياه ثم في النهاية ينبغي
ألاّ أعيّره، بل أسال الله جل جلاله أن يحفظني من الوقوع في
هذا الذنب .
والحمد الله رب العالمين
0 التعليقات: