دلائل الإيمان في القرآن
دلائل الإيمان في
القرآن
![]()
سليمان
حمدالعودة
1- عظمة صنع الله
لمخلوقاته المبثوثة حول الإنسان.
2- دعوة
للتفكر في مخلوقات الله الدالة على عظمة
الخالق.
3- دورة الرياح والمطر وعجائب خلق
الله.
الخطبة الأولى
أما
بعد:
أوصيكم
ونفسي بتقوى الله، ولزوم طاعته، فتلك
وصية الله للأولين والآخرين
![]() ![]()
أيها
المسلمون: ويقلب العقلاء أفئدتهم
وأبصارهم في ملكوت الله العظيم فيزيدهم
ذلك إيمانا بعظمة الخالق، ودقة الصانع:
![]() ![]()
ويتأمل
المختصون بعلوم البحار في عالم البحار،
وقاع المحيطات فيرون في اختلاف مياهها
ملوحة أو عذوبة، حرارة أو برودة وأنواعا
من الحيتان تختلف أشكالها، وطعومها،
وأحجامها، وخلقا آخر، وجواهر، ودررا لا
يحيط بها إلا من خلق وهو اللطيف الخبير.
فمن
أقام بين البحرين حاجزا، وجعل بينهما
برزخا وحجرا محجورا؟ ومن أزجى الفلك
وسيرها على ظهره وأجرى الرياح وسخرها
ليبتغي الناس من فضله؟ أوليس الله رب
العالمين
…
فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
![]() ![]() ![]() ![]()
ويقرأ
العالمون بالفلك ويرى غيرهم في عالم
السماء كيف رفع الله السبع الشداد بلا
عمد، وجعل فيها أنواعا من المخلوقات لا
يعلمها إلا الله، وأودع فيها من الغيوب
والأرزاق ما اختص الله بعلمه، وينزل
للناس في حينه بقدر، ويبصر الناس، كل
الناس، كيف زين الله السماء الدنيا
بمصابيح يهتدي بها المسافرون، ويرجم بها
الشياطين، وجعل للنجوم مواقع، وللشمس
والقمر منازل بها يستدل الحاسبون، ويعرف
الناس الأزمان والشهور .. ترى من أجراها
على الدوام وسخرها، وأغطش ليلها وأخرج
ضحاها؟ إنه الله الولي الحميد.
![]() ![]() ![]() ![]()
ويح
أولئك الذين لا يشكرون، وما أكثر الذين
هم بنعم ربهم غافلون
![]() ![]() ![]()
أيها
المسلمون: ويبحث علماء الجغرافيا أو
الجيولوجيا في طبقات الأرض العلوية أو
السفلية، فيرون مختلف الجبال وأنواع
الصخور، فهذه جدد بيض وتلك حمر مختلف
ألوانها، وثالثة غرابيب سود، ويلفت
نظرهم قمم الجبال العالية وبطون الأودية
السحيقة، وبين هذا وذاك تنبت أنواع من
النباتات وتنتشر أنواع من الحيوانات،
وإذا اعتدل الهواء في المناطق المتوسطة
باتت قمم الجبال العالية السوداء بيضاء
من الثلوج النازلة، وفى حين تنعدم الحياة
في المناطق الاستوائية لشدة الحرارة ....
ترى من قدر لهذه وتلك قدرها .. وهل في
إمكان البشر أن ينقلوا جو هذه إلى تلك أو
العكس ... أو يبعثوا الحياة في الأرض
الميتة..؟!
كلا
بل هو الله العلي القدير، ويدرك العالمون
أكثر من غيرهم أن جوف الأرض يحتفظ بأنواع
من المياه الجوفية تختلف في مخزونها، وفى
مذاقها، وقربها أو بعدها، فمن يمسك
البنيان إذ يبنى على ظهر الماء؟ ومن يمنع
الأرض أن تتحول إلى طوفان بطغيان الماء
في أعلاها وأسفلها إلا الله الذي أنزل من
السماء ماء بقدر فأسكنه في الأرض، وهو
القادر على أن يذهب به متى يشاء.
وعلى
سطح البسيطة تنتشر أنواع من البشر، تختلف
في ألوانها وألسنتها، وتختلف في عوائدها
وطرائق حياتها، فمن بثها وبعث الحياة
فيها وألهم كل نفس فجورها وتقواها؟ إنه
الله يعرفه ويخشاه العالمون، ولا يكفر به
إلا الظالمون المعاندون.
![]() ![]() ![]()
إخوة
الإيمان: ودلائل الإيمان تبدو للإنسان
نفسه حتى وإن كان أميا، وهو يتأمل في
نفسه، ويبصر عظمة الخلق فيها، كيف خلقها
الله ابتداء من ماء مهين، ثم كانت بهذا
الشكل القويم، وأدوع فيها من أسرار الخلق
ما يعجز الطب عن كنهه، ويبقى الأطباء في
حيرة منه
![]() ![]()
وهذا
نموذج للإعجاز والتحدي.
ترى
من يرعى دقات قلب المرء في حال اليقظة
والنوم؟ وأقرب الناس إليه لا يملك من
أمره شيئا، بل وهل يملك الإنسان نفسه
التصرف في حركة التنفس؟ فيتنفس متى يشاء،
ويوقف أنفاسه إذا لم يشاء، ألم يرى
الإنسان كيف يدخل الطعام مدخلا ثم يخرجه
الله مخرجا آخر؟ أله في ذلك قدرة وشأن؟
وما حيلته لو اختنق النفس أو احتبس
البول؟ كم في جسم الإنسان من جهاز وطاقة؟
وكم فيه من أعضاء وخلية؟ أيملك التصرف
بشيء منها؟ وصدق الله وهو أصدق القائلين
![]() ![]() ![]() ![]()
إن
القرآن يا عباد الله كتاب مفتوح للتأمل
في ذات الإنسان وفي ملكوت الله، وخلقه
الآخر، وكم تلفت آيات القرآن النظر
للتأمل والعبرة، وتدعو للتفكر، وتشنع
على العقول الخاملة، والقلوب الميتة،
وكم في القرآن من مثل ودعوة ..... وكم من مثل
قوله تعالى
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
فهل
يزداد المسلم إيمانا حين يتلو آيات
القرآن؟ وهل يتعاظم الإيمان في قلبه حين
يطلق لفكره وقلبه التأمل في مخلوقات الله
العظام؟
إن
العلم يدعو إلى الإيمان، وإن دلائل
القرآن تؤكد نبوة محمد عليه الصلاة
والسلام، فمن أين لمحمد الأمي أن يخبر عن
حركات الأمواج في الظلمات في البحار
اللجية، ويقول للناس:
![]() ![]()
ترى
أركب البحر محمد صلى الله عليه وسلم، أم
توفر له في حينه ما توفر في عالم اليوم من
الغواصات والآلات؟ كلا إن هو
![]() ![]()
بل
ومن أين لمحمد صلى الله عليه وسلم الذي
عاش في بيئة يقل فيها العلم، وينتشر فيها
الجهل أن يخبر عن أطوار خلق الجنين في بطن
أمه، كما قال تعالى :
![]() ![]()
وإذا
لم يعلم محمد صلى الله عليه وسلم بهذه
الظلمات قبل تعليم الله إياه، أفتراه
يعلم أو يقول من ذات نفسه عن خلق الإنسان
![]() ![]() ![]()
ترى
هل مارس محمد صلى الله عليه وسلم الطب أم
كان على صلة بالأطباء، وهل كان الأطباء
حينها يعلمون ذلك؟ كلا، بل هو كما قال
تعالى
![]() ![]() ![]()
نفعني
الله وإياكم بهدي الكتاب وسنة الحبيب
المصطفى صلى الله عليه وسلم
الخطبة الثانية
الحمد
لله رب العالمين، أعطى كل شىء خلقه ثم
هدى، وأشهد أن لا إله إلا ألله وحده
لاشريك له، أمات وأحيا، وخلق الزوجين من
نطفة إذا تمنى، أمسك السموات والأرض أن
تزولا، وأهلك عاد الأولى، وثمود فما
أبقى، والمؤتفكة أهوى، فغشاها ما غشى،
فبأى آلاء ربك تتمارى...
وأشهد
أن محمد عبده ورسوله أنزل الله عليه من
البينات والهدى ما تخشع له الصخور الصم،
![]() ![]()
عباد
الله: ويجد المتدبر لكتاب الله ألواناً
من المواعظ والعبر، تدعوه إلى الإيمان إن
كان في بحثه صادقا، وتثبت إيمانه وتزيده
إن كان من قبل مؤمنا، وقل أن يستفيد من
وقفات القرآن من يهذه هذّ الشعر أو يقرؤه
كما يقرأ الكتاب أو الجريدة، كحال من
يحفظون القرآن وهم لا يفقهون منه شيئا ..
إن
أثر القرآن عظيم في النفوس حين تقشعر منه
الجلود، ثم تلين له القلوب، وإن مواعظه
وعبره أكثر من أن تحصى حين يقرأ بتأمل
وتدبر... وحسبنا في هذه الوقفة أن نذكر
بمنهج القرآن في تثبيت الإيمان من خلال
دلائل الكون في الأنفس والآفاق، ومن عظمة
القرآن أن تبقى مواعظه صالحة نافعة في كل
زمان ومكان، أبى الله أن يبلى كتابه، أو
يخلق من كثرة الترداد على تعاقب الأجيال.
وإليكم
نموذجا يلفت فيه ربنا تبارك وتعالى
أنظارنا من خلال آي القرآن إلى التأمل
والاعتبار، في مشاهد تتكرر في كل آن،
ونراها رأي العيان، ومع ذلك فقد نغفل
عنها كثيرا، أو لا تدعونا لمزيد من
الإيمان ... للجهل بها أو لكثرة إلفها، أو
لثباتها، علما بأن في ثباتها واستمرارها
دليلا على بقاء موجدها على الدوام.
تأملوا
الحدث واستلهموا العبرة، وجددوا
الإيمان، يقول تبارك وتعالى:
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
قال
الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه
الآيات: من هاهنا شرع سبحانه وتعالى في
بيان الأدلة الدالة على وجوده وقدرته
التامة على خلق الأشياء المختلفة
والمتضادة.
ونقل
عن ابن عباس وابن عمر وغيرهم أن المقصود
بالظل في الآية هو ما بين طلوع الفجر إلى
طلوع الشمس، ولو شاء لجعله ساكنا، أي
مستمرا، ولولا أن الشمس تطلع عليه لما
عرف
![]() ![]()
يقول
صاحب الظلال: هذا التوجيه إلى تلك
الظاهرة التي نراها كل يوم، ونمر بها
غافلين هو طرف من منهج القرآن في استحياء
الكون دائما في ضمائرنا، وفى إحياء
شعورنا بالكون من حولنا، وفي تحريك خوامد
إحساسنا التي أفقدها طول الإلفة إيقاع
المشاهد الكونية العجيبة، وطرف من ربط
العقول والقلوب بهذا الكون الهائل
العجيب (2).
أيها
المسلمون، كم في إرسال الرياح وإنزال
المطر من آية تدل على أن مرسلها ومنزل
المطر بعدها واحد قادر، والرياح كما يقول
العلماء أنواع في صفات كثيرة من التسخير:
فمنها
ما يثير السحاب، ومنها ما يحمله، ومنها
ما يسوقه، ومنها ما يكون بين يدي السحاب
مبشرا، ومنها ما يكون قبل ذلك تقم الأرض،
ومنها ما يلقح السحاب ليمطر، وإلى ذلك
أشار ربنا في قوله:
![]() ![]()
فإذا
أنزل الله المطر أحيا به الأرض، روى
عكرمة قال: ما أنزل الله من السماء قطرة
إلا أنبتت بها في الأرض عشبة، أو في البحر
لؤلؤة.
ومع
هذه القدرة البالغة، فلله القدرة كذلك
على تصريفه من مكان لآخر، وسقى هذه الأرض
أو البلد دون تلك
![]() ![]()
قال
ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم: ليس
عام بأكثر مطر من عام، ولكن الله يصرفه
كيف يشاء، ثم قرأ هذه الآية
![]() ![]()
عباد
الله:
ومن
ماء السماء إلى ماء الأرض يقص علينا
القرآن عجائب قدرة الله
![]() ![]()
أما
الملح الأجاج فهو هذه البحار والمحيطات
الكبيرة في المشارق والمغارب، وهذه
البحار حين أراد الله أن تكون ساكنة لا
تجري، بل تتلاطم أمواجها وتضطرب، أو يحصل
فيها المد والجزر بقدرة الله وهي ثابتة
في أماكنها ... حين أراد الله لهذه المياه
الغامرة لجزء كبير من سطح الأرض أن تكون
بذلك القدر، وله الحكمة البالغة، أن تكون
مياهاً مالحة... أتدرون لماذا؟
قال
أهل العلم: خلقها الله مالحة لئلا يحصل
بسبها نتن الهواء فيفسد الوجود بذلك،
ولئلا تجوى الأرض بما يموت فيها من
الحيوان، ولما كان ماؤها ملحا كان هواؤها
صحيحا وميتتها طيبة (1)
.. أليس ذلك تقدير العزيز العليم؟
بل
قيل في حكمة الله وتقديره لعدم اختلاط
البحرين: أن مجاري الأنهار غالبا أعلى من
سطح البحر، ومن ثم فإن النهر العذب هو
الذي يصب في البحر الملح، ولا يقع العكس
إلا نادرا، وبهذا التقدير الدقيق لا يطغى
البحر، وهو أضخم وأغزر، على النهر الذي
منه الحياة للناس والأنعام والنبات،
فتبارك الله أحسن الخالقين(2).
أيها
المسلمون، وثمة ماء ثالث هو أعجب من ماء
السماء وماء البحر .. إنه ماء الحياة .. إنه
الماء المهين الذي ينشأ منه البشر
أجمعون، وتنتشر فيه الحياة والأحياء،
وتأملوا القدرة الإلهية في قوله:
![]() ![]()
تلكم
من عجائب قدرة الله ... وتلكم أدلة على
وحدانية الله .. ألا وإن فيها بواعث
للإيمان واليقين لمن كان له قلب أو ألقى
السمع وهو شهيد. . .
(2)
الظلال 5 / 2569 .
(2)
تفسير آيات القرآن 3 / 513 .
(1)
تفسير ابن كثير ...
(2)
في ظلال القرآن.
|
0 التعليقات: