إعجاز الله تعالى في خلق جسم الإنسان
الإنسان - إعجاز الله تعالى في خلق جسم
الإنسان
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم وترحيب
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم
ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من
برنامجكم الإيمان هو الخلق ، ويسعدنا أن نكون في رحلة هذا البرنامج في
ضيافة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في
القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، أهلاً وسهلاً بك أستاذنا
الكريم .
ذكرنا من مقومات التكليف التي هي الخلق ، أنها ثمرة من ثمرات مقومات التكليف ، ومقومات التكليف كما مر في الحلقات السابقة الكون ، العقل ، الفطر ، الشهوة ، الاختيار ، والتشريع ، والوقت ، بدأنا بالكون . وفي محطتنا الماضية في الحلقة الماضية أوسعت شرحاً في مسألة الكون ، ومن خلال ما قدمت يبدو أننا نستطيع أن نستغرق مئات الحلقات ، ونحن في حيز الكون ، ولم ننتقل من مظلته إلى الأنفس ، إلى الإنسان الذي يعيش في هذا الكون . لكن اسمح لي أن نبتدئ هذه الحلقة قبل :
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ ﴾
ونختم في مسألة الكون ، وإذا تكرمت في كل
الحلقات حبذا لو نضيء على مسألة الإعجاز في الكون ، تسمح لي أن أقف
وأبتدئ عند الآية الكريمة :
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ
فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا
بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾
ماذا عن هذه الآية ؟
ماذا عن قوله تعالى : وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ
بَابًا مِنْ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ...؟
الدكتور :
أستاذ علاء جزاك الله خيراً ، أحد علماء الفضاء من أصل عربي ، كان في قاعدة فضاء في العالم الغربي كبيرة جداً ، وقد أُطلقت مركبة إلى الفضاء ، إذا في رائد الفضاء يصيح فجأة لأقد أصبحنا عميان ، لأنه حينما تجاوز الغلاف الجوي دخل في منطقة الظلام الدامس ، ذلك لأن الضوء فيه ظاهرة الانتثار ، لأن أشعة الشمس حينما تسلط على الهواء ذرات الهواء تعكس بعض الأشعة علة ذرات أخرى ، لم تصبها أشعة الشمس ، في الأرض شيء اسمه ضياء ، وشيء اسمه أشعة ، في مكان تجد أشعة الشمس ، فإذا تجاوزنا الغلاف الجوي تنعدم هذه الظاهرة ، تنعدم كلياً ، فنحن أمام جو مظلم هالك ، لا نرى شيئاً ، إلا نقاط مضيئة هي الكواكب فقط ، فهذا الرائد لما دخل في الفضاء الخارجي ، وتجاوز الغلاف الجوي قال : لقد أصبحنا عمياً ، هذه قبل سنوات ، أو قبل عشرين سنة ، أما أن تجد في القرآن آية تقول :
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ السَّمَاءِ
فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ، لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ
أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
فهذه الآية لم تفهم إلا الآن ، لأنه قبل أن
يصعد الإنسان إلى الفضاء الخارجي هذه لم يُفهَم ويكتَشف معنى لها ، هذا
يؤكد كلام سيدنا علي رضي الله عنه ، قال : " في القرآن آيات لما تفسر
بعد " ، كلما تقدم العلم كشف عن جانب من عظمة هذا الكون .
فلذلك قالوا : الكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي ، هناك قرآن تخضع له رقاب أهل الأرض ، هو الكون ، أي إنسان من أي ملة ، من أي فئة ، من أي طائفة ، من أي دين ، من أي مذهب ، لو أنه يعتقد لا إله يخضع لهذا الكون ، هو قرآن صامت ، تجسيد لعظمة الله ، مظهر لأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى ، فالتفكر في خلق السماوات والأرض أرقى عبادة على الإطلاق ، بل هي عبادة معرفة الله ، وإذا عرفته عرفت كل شيء . المذيع : انتقلنا الآن من الكون إلى الإنسان الذي يعيش في حاضنة هذا الكون على سطح البسيطة ؛ الأرض .
الإنسان : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي
أَنْفُسِهِمْ
الدكتور :
لأن الآية الدقيقة :
﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي
أَنْفُسِهِمْ ﴾
لكن الإنسان له ميزة ، أنه إذا فكر في جسمه
هو أقرب شيء إليه ، هو يعيش بحواسه الخمس ، يعيش بأجهزته ، يعيش بخصائص
جسمه ، فالله عز وجل يقول :
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾
يقدر العلماء أن في رأس الإنسان تقريباً 300
ألف شعرة ، لكل شعرة شريان ، ووريد ، وعصب ، وعضلة ، وغدة دهنية ، وغدة
صبغية ، لكل شعرة ، من نعم الله العظمى أن ليس هناك عصب حسي في الشعرة
، لو كان فيها عصب حسي لاضطررنا إلى عملية جراحية مع تخدير كامل لحلاقة
الرأس ، أعصاب محركة .
إذاً : الشعر آية من آيات الله الدالة على عظمته ، وقد يخسر الرجل كل
شعره ، أما المرأة فلا يمكن أن تخسر كل شعرها لحكمة بالغةٍ بالغةٍ
بالغة ، وهذا شيء يلفت النظر ، قد تخسر شعرها ، لكن لا تخسر شعرها كله
، أما الرجل فقد يخسر شعره كله ، هذا من رحمة الله بالمرأة .
المذيع : لأن هذا الأمر قد يكون مقبولاً عند الرجل ، ولا يقبل عند المرأة ، ويصبح أجرد من صلعة ، والصلعة هي الصخرة الملساء التي لا نبت فيها . الآن سيدي يقول الله عز وجل :
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ
تَقْوِيمٍ ﴾
خلق الإنسان في أحسن تقويم :
الدكتور :
من يصدق أن في دماغ الإنسان 140 مليار خلية سمراء لم تعرف وظيفتها بعد ؟ وفي 14 مليار خليفة قشرية فيها المحاكمة ، والتفكير ، والتصور ، والاستدلال والمناقشة لذلك :
﴿ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ ﴾
الناصية مكان المحاكمة ، وهذا الشقاء الذي
شقيه الإنسان بسبب خطأ اتخذه في دماغه ، هنا المحاكمة ، واتخاذ القرار
.
﴿ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ
خَاطِئَةٍ ﴾
هنا أخطأ في الحكم والتقدير ، لأن أزمة أهل
النار وهم في النار أزمة علمية فقط .
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا
كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
أهمية عنصر العلم في معرفة الله :
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت
الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا
يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطته بعضك لم يعطك شيئاً .
الإنسان أستاذ علاء ركب الله فيه قوة الإدراكية ، وما لم يبحث عن الحقيقة فإنه يلغي إنسانيته ، لأن في الإنسان حاجات عليا ، وحاجات سفلى ، في الحاجات السفلى هو والحيوان سواء ، لكن بشكل راقٍ ، لكن في الإنسان قوة إدراكية عليا ، إن لم تلبَّ هذه الحاجة إلى المعرفة هبط الإنسان عن مستوى إنسانيته ، فلذلك :
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ
الْعُلَمَاءُ ﴾
العلماء وحدهم ولا أحد سواهم يخشى الله . المذيع : لذلك بتفكرهم ، وبمعرفتهم ، وبعلمهم وصلوا إلى ما وراء هذه المظاهر ، وهذه الآثار ، فتعرفوا إلى الله ، فكانت خشيتهم بلا حدود . الدكتور : مكان الذاكرة لا يزيد على حبة العدس ، فيها من ستون إلى سبعين مليار صورة في عمر متوسط ،
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ
تَقْوِيمٍ ﴾
﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾
إن لم يتعرف إلى ربه ، ولم يصطلح معه ، ولم
يطبق منهجه ، رد إلى أسفل سافلين ، ركب الملَك من عقل بلا شهوة ، وركب
الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على
شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان .
المذيع : الآن أستاذنا في مسألة التقويم ، هذا لو توقفنا عند هذه الذاكرة التي لا تتجاوز في جرمها وحجمها حبة العدس ، فيها ستون مليار صورة ، كيف يستدعي هذه الصور من ذاكرته الإنسان ؟ وما هذه السرعة التي تستغرق ليستعيد حدثاً معين ، أو ليتخيل ؟
كيف يستدعي الإنسان الصور من ذاكرته ؟
الدكتور :
سأوضح لك هذا يمثل : قدمت لك رائحة شممتها ، خلال ثانية تقول : هذا ياسمين ، مثلاً ، ما الذي حدث ؟ حينما شممت هذه الرائحة هناك عشرون مليون نهاية عصبية شمية ، كل نهاية فيها سبعة أهداب ، الأهداب مغمسة بمادة تتفاعل مع الرائحة ، إذا شُكل من هذا التفاعل شكل هندسي يشحن إلى الدماغ ، وفي الذاكرة الشمية عشرة آلاف بند تقريباً ، يعرض هذا الرمز على عشرة آلاف رمز ، حيثما توافق الرمزان تقول : هذا ياسمين ، لو في الأكل كمون ، شيء لا يصدق ، السرعة لا تصدق
فلذلك قال الله عز وجل :
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ
﴾
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
طريقة تغذية العين :
أستاذ علاء ، قرنية العين تتميز بخاصة تنفرد
بها ، أن خلايا القرنية تتغذى عن طريق الحلول ، لا عن طريق الأوعية
الشعرية ، ولو تغذت عن طريق الأوعية الشعرية لرأينا ضمن شبكة ، شبكة
الأوعية ، شفافية تامة ، بفضل خاصة تنفرد بها القرنية ، وهي الحلول .
المذيع : وهي ظاهرة فيزيائية تتسرب إلى الخلف . الدكتور : إذا الخلية الأولى تأخذ غذائها وغذاء جارتها ، وينتقل عبر الغشاء الخلوي ، لكن بغير أوعية شعرية من أجل تحقيق الرؤيا التامة . في العين ماء نحن إذا ذهبنا إلى فلندا الحرارة سبعون تحت الصفر ، فأنا بإمكاني أن أضع قبعة على رأسي ، أرتدي قفازات صوفية ، أرتدي ألبسة صوفية ، يمكن أن أغطي كل أنحاء جسمي بالصوف ، عدا العين ، أمشي في الطريق ، الآن العين تجاور هواء درجته 70 تحت الصفر ، فشيء بديهي جداً أن يتجمد ماء العين ، وأن نفقد البصر هناك ، من الذي أودع في ماء العين مادة مضادة للتجمد ؟ الله جل جلاله ،
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ
تَقْوِيمٍ ﴾
أستاذ علاء ، أعلى آلة تصوير الآن ثمنها
بالملايين ، الآلة الرقمية الاحترافية ، الذي يملكها كبار المصورين ،
هذه الآلة فيها بالميليمتر المربع عشرة آلاف مستقبل ضوئي ، الصورة هي
مجموعة نقاط مضيئة ، فكلما كثرت هذه النقاط في المساحة أصبحت الصورة
دقيقة ورائعة ، وفي شبكية العين مئة مليون مستقبل ضوئي ، العين البشرية
تفرق بين 8 ملايين لون ، ولو درجنا اللون الواحد إلى 800 ألف درجة
لفرقت العين السليمة بين درجتين ،
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
و
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ
﴾
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
المذيع :
سيدي الكريم ، مررنا على الشعر ، مرننا على الدماغ ، مررنا على العين ، مرننا على الشم ، كما تفضلت في مسألة الروائح ، وكيف تفسر بشكل هندسي ، ويمر على عشرة آلاف في الكون ، نأتي إلى السمع .
الأذن آلة السمع :
الدكتور :
تمشي في الطريق تستمع إلى بوق سيارة ، فتنحرف نحو اليسار ، لمَ انحرفت نحو اليسار ؟ ولم تنحرف نحو اليمين ؟ ما الذي يحصل ؟ هناك جهاز بالغ التعقيد في الدماغ ، لأن هناك أذنين ، وبالأذن الواحدة تسمع الصوت ، وبالأذنين معاً تعرف جهة الصوت ، الصوت دخل إلى هذه الأذن قبل هذه الأذن ، الفارق واحد على ألف و 620 جزءا من الثانية ، إذا كان هناك بوق مركبة من الجهة اليمنى أصدر هذا الصوت ، فيدخل الصوت إلى الأذن اليمنى قبل اليسرى لواحد على ألف و620 جزءا من الثانية ، وفي الدماغ جهاز يحسب تفاضل الصوتين ، فيكتشف جهة الصوت ، فإذا سمعت بوق مركبة من الخلف تنحرف نحو الجهة المعاكسة دون أن تشعر ، والأغرب من ذلك أنني كنت في طريقي من حمص إلى دمشق أركب مركبتي فأمامي قطيع غنم ، أطلقت بوق مركبتي فاتجه نحو الجهة المعاكسة ، ، حتى عند الحيوانات وعند البهائم
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ
تَقْوِيمٍ ﴾
المذيع :
دكتورنا ، بالنسبة لهذا الإعجاز مسألة السمع ، كما هو معروف أن الإنسان له عتبة دنيا ، وعتبة عليا للسمع ، ما بينهما يسمع الاهتزاز ، ويسمع الصوت ، ويفسر ذلك الصوت ، ويتعامل مع هذه الساحة الحيوية المجال المغلق بين العتبة الدنيا والعتبة العليا ، ماذا لو كان الإنسان يسمع تحت هذه العتبة الدنيا ، أو يسمع فوق العتبة العليا .
ماذا لو سمع الإنسان تحت العتبة الدنيا ، أو فوق
العتبة العليا ؟
الدكتور :
لا ينام الليل ، بشكل مبسط : ضع إصبعك في أذنيك ، تستمع إلى دوي ، لأن الصوت ينتقل عبر الأجسام الصلبة بأضخم وأسرع من انتقاله عبر الأوساط الهوائية ، كما لو أن الإنسان سمع دقات قلبه . أنا حدثني أخ ركّب دساما صناعي ، على أساس كرة معدنية ، قال لي : والله لا أنام الليل ، لأن هذه الكرة المعدنية استمع إلى حركتها طوال الليل ، أما في النهار مع الضجيج فلا يسمع الصوت . الإنسان له عتبة سمع ، لو زادت أو قلّت لفقد حياته ، أو فقد أن يعيش حياةً هانئة ، وأحيانا تجرح إصبع الإنسان ، يأكل طعاما فيه مادة حامضية فيشعر بحرقة ، حتى الحواس كلها ، ماذا قال الله عز وجل ؟
﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾
الآن الرؤيا ، لو ترى كل شيء في الماء لم
تشرب الماء ، فيه ملايين البكتريا ، تمسك بكأس ماء عذب صافٍ ، هو ليس
كذلك ، بل في الماء الصافي الصالح للشرب ملايين الأجسام ، لكنك لا
تراها ، فمن رحمة الله بنا أن جعل لهذه الحواس عتبات .
مثلاً : الصوت يتخامد ، الموجة الكهرطيسية لا تتخامد ، الإنسان أرسل مركبة إلى كوكب المشتري ، وبقيت تمشي في الفضاء الخارجي ست سنوات بأعلى سرعة صنعها الإنسان ، وهي أربعون ألف ميل بالساعة ، ومع ذلك وهي في المشتري أرسلت موجات كهرطيسية وصلتنا للأرض ، فالموجة لا تتخامد ، أما الموجة الصوتية فتتخامد ، ولولا هذا التخامد كانت الحياة لا تطاق ، كل أمواج البحر نسمعها ، كل المعارك في كل أنحاء العالم نسمعها ، حتى صوت النحاسيين عندنا نسمعه ، ولو كنا بعيدين عنه . إذاً هذه العتبة من فضل الله علينا ، ومن رحمته بنا ، ومن حكمته ، ولطفه ، لأن الأمواج الصوتية تتخامد . النسيان نعمة كبيرة ، أحيانا موقف غير معقول إطلاقاً يقفه الإنسان يومين أو ثلاثة يتمزق من الألم ، لو بقي يذكره طوال حياته لأصبح شقياً ، فالنسيان نعمة . المذيع : سيدي الكريم ، مثل ما تفضلت ، هذا السمع عُزل في الحد الأعلى ، وفي الحد الأدنى ، والبصر ، لو كان الإنسان يسمع تحت هذه العتبة كما تفضلت لسمع جريان الدم في أوعيته ، وحركة الأمعاء ، وحركة الاستقلاب ، والهدم ، والبناء ، وكان مستيقظاً طول وقته .
ماذا لو أوكل الله إلينا عمل آليات الجسم ؟
الدكتور :
هناك نقطة أستاذ علاء دقيقة : أنك تأكل ، والجسم يقوم بآليات معقدة جداً في الهضم ، لو أوكل الهضم إليك تلغي عملك ، تأكل ، الآن تنام ، هناك مركز تنبيه للرئتين ، مركز نوبي ، لو أوكل الله لنا التنفس لم نستطع أن ننام ، الذي ينام يموت ، حتى إن هناك مرضا نادرا جداً ، هذا مركز التنبيه للرئتين النوبي يتعطل ، فالموت مصير كل إنسان أصيب بهذا المرض . الآن اكتشف دواء غالٍ جداً يجب أن تأخذه كل ساعة ، تأخذه الساعة التاسعة حبة ، تضع أربع منبهات ، تستيقظ العاشرة لتأخذ حبة ثانية ، تأخذ الساعة الحادية عشرة حبة ثالثة ، حبة رابعة الثانية عشرة ، وهكذا ، وهناك طبيب في دمشق أصيب بهذا المرض ، فجلب الدواء من أمريكا ، واستعمله ، جاء ابنه من أمريكا في هذا اليوم ، فرح بلقائه لم يستيقظ ، وجدوه ميتاً صباحاً . لو أوكل الله لنا تنفسنا لانتهت الحياة ، لا ننام ، القلب لا إرادي ، التنفس لا إرادي الهضم لا إرادي ، مليون عملية تتم في الجسم وأنت نائم .
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ
﴾
إنها نعمة عظيمة : وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ
وَذَاتَ الشِّمَالِ
لأن وزن الجسم ، وزن الهيكل العظمي مع ما
فوقه من عضلات يضغط على ما تحته ، فالأوعية تضيق ، فتضعف التروية ،
وأنت نائم مستغرق في النوم يأتي أمر من الدماغ فتقلب ، تصور إنسانا
نائم وقد تقلّب 38 مرة ، مرة على اليمين ، ومرة على اليسار ،
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ
الشِّمَالِ ﴾
المذيع :
حتى تأخذ الأوعية وضعها ، وتأخذ حصتها من التروية ، وهذه الأنسجة تأخذ كميتها من الدماغ ، حتى لا تتم عملية إنهراس أو ضغط على هذا المكان .
وماذا عن اللعاب وأنت نائم ؟
الدكتور :
عند طبيب الأسنان إذا كان عملية طويلة يضع له الأنبوب المائي ، الإنسان وهو نائم يتجمع اللعاب في فمه ، تذهب إشارة من الفم إلى الدماغ أن كمية اللعاب كثرت فيأتي أمر من الدماغ ليغلق طريق الهواء ، ويفتح طريق المريء فيبلع الإنسان ريقه وهو نائم ، ويحدث هذا عشرين إلى أربعين مرة وأنت نائم مستغرق في النوم ، لسان المزمار يغلق طريق التنفس ، ويفتح طريق المريء كي يذهب اللعاب إلى المعدة
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
هذا الإله العظيم يعصى ؟ هذا الإله العظيم
ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى رحمته ؟ ألا تخشى ناره ؟ أنعرض عنه ؟ أنهجر
قرآنه ؟ نهجر طاعته ؟ .
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ
فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾
المذيع :
عند هذا الخلق هذا الإنسان في تكوينه المعجز لو تلمسنا مراحل نشأته ، وهو عند أبويه قبل أن يتراسلا ، ثم حصل التراسل واللقاء ، ولقحت تلك البيضة ، وحملت الأم هل لنا من مرور ؟
يا أيها الإنسان العاقل ماذا عن الغشاء العاقل ؟
الدكتور :
أستاذ علاء : في شيء اسمه الغشاء العاقل في المشيمة العقول لا تصدق عظمة هذا الغشاء ، سموه غشاء عاقلاً ، لأن المشيمة هي بالتعبير العامي ( الخلاص )وهو قرص لحمي تجتمع فيه دورة دم الأم ، ودورة دم الجنين ، ولا يختلطان ، وكل دم له رمز خاص ، وزمرة دموية خاصة ، ومعروف عند علماء الطب أن من بديهيات الطب أنك إذا أعطيت إنساناً دماً من غير دمه يموت فوراً بمرض اسمه انحلال الدم ، الشيء الذي لا يصدق أن المشيمة يجتمع فيها دم الطفل ، ودم أمه ، وكل دم زمرة ، ولا يختلطان ، بينهما غشاء ، يقوم بمهمات يعجز عنها أطباء الأرض مجتمعين ، وغشاء المشيمة يأخذ المواد السكرية من دم الأم فيطرحها في دم الجنين ، الآن حتى يحترق السكر بدرجة منخفضة يأخذ الأنسولين من دم الأم فيطرحه في دم الجنين ، حتى يحترق يحتاج إلا أوكسجين ، يأخذ الأوكسجين من دم الأم ، ويطرحه في دم الجنين ، صار الغشاء العاقل هو جهاز تنفس ، والأنسولين ، والسكر . يمنع الغشاء العاقل دخول المواد السامة من دم الأم إلى دم الجنين ، الأم تسممت بمادة غذائية سامة لا ينتقل السم إلى دم الجنين ، بل يمنع . تنتقل عوامل مناعة الأم عبر الغشاء العاقل إلى دم الجنين ، والغشاء العاقل يختار الغذاء المناسب ، البروتين ، الشحوم ، السكريات الفيتامينات ، لا يستطيع أطباء الأرض مجتمعين أن يعرفوا ما يحتاج الجنين كل ساعة ، هذه النسب تتبدل كل ساعة ، والغشاء العاقل يتولى نقل هذه النسب من دم الأم إلى دم الجنين .
إذا حدث احتراق سكر في دم الجنين يعود الغشاء العاقل ثاني أوكسيد
الكربون من دم الجنين إلى دم الأم كي يطرح عبر التنفس ، فحدث الاستقلاب
، كما يعيد الغشاء العاقل حمض البول من دم الجنين إلى دم الأم يطرح مع
الكليتين .
يقوم هذا الغشاء العاقل بمهمة جهاز التنفس ، وجهاز الهضم ، وجهاز الكليتين ، وجهاز المناعة المكتسب ، شيء لا يصدق ، والكبد ، يقوم بمهمات الأجهزة كلها ، ويستطيع أن يفعل شيئاً لا يستطيعه أطباء الأرض ، لذلك سمى الأطباء هذا الغشاء المشيمة الغشاء العاقل ، وهنا تتبدى عظمة الله عز وجل . المذيع . أستاذنا من خلال هذا التبحر ، وهذه المسحة البانورامية إن صح التعبير على إعجاز الخلق ،
﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ ﴾
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ
﴾
من خلال هذا الوقوف أمام العظمة والإعجاز
ماذا يمكن أن نقول في نهاية حلقتنا ، وبقي لدينا دقيقتان ، بعد هذه
الحالة من التفكر والاندهاش أمام الدقة والعظمة ، ماذا علينا ؟ هل نقف
مشدوهين مندهشين ؟ لهذه العظمة أو يجب أن تترجم هذه المسألة في حياتنا
إلى مسائل أخرى .
الدماغ ملك الغدد :
الدكتور :
إلى طاعة وإقبال ، لكن لا بد من وقفة قليلة جداً : هناك إنسان يمشي في بستان ، رأى ثعبانا ، ما الذي يحصل ؟ تنطبع صورة الثعبان على شبكية العين إحساساً ، تنتقل إلى الدماغ دركاً في مفهومات الثعبان ، تلقاها في المدرسة ، وسمع قصة من جدته ، ورأى ثعبانا مرة ، فتجمع عنده مفهوم مخيف للثعبان ، لدغته قاتلة ، فالدماغ أدرك الخطر ، التمس ، وهو ملِك الجهاز العصبي ، التمس من ملكة الجهاز الهرموني الغدة النخامية أن تتصرف ، الغدة النخامية ملكة ، عندها وزير داخلية ، هو الكظر ، أمرته أن يواجه الخطر ، الكظر يصدر خمس أوامر ، أمر إلى القلب يرفع النبض إلى 180 نبضة ، فالخائف يزداد وجيب قلبه ، وأمر للرئتين يزداد وجيب الرئتين كي يتناسب الهواء معه ، وأمر إلى الأوعية المحيطية تضيق لمعتها ، فيصفر لون الخائف ، وأمر إلى الكبد ليطلق كمية سكر إضافية ، وأمر إلى الكبد ليطلق هرمون التجلط ، هذا يتم في ثوانٍ ، فالخائف يصفر لونه ، يزداد نبض قلبه ، يزداد وجيب رئتيه ، تضيق أوعيته ، ويزداد السكر في دمه ،
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ
تَقْوِيمٍ ﴾
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
خاتمة وتوديع :
المذيع :
كنا نود أن نستمر لكن الوقت أدركنا لا يسعني إلا أن أشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين نتابع في مقومات التكليف التي كنا قد بسطناها في حلقات قادمة إن شاء الله ، شكراً لكم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والحمد لله رب العالمين
|
0 التعليقات: